119

فجر الضمير

تصانيف

وفضلا عن ذلك كانت الطريق الخاصة بالمتوفى تعترضها النيران، وكان لا بد له من الهلاك إذا لم تكن لديه رقية «ليخرج بها من النار» أو يتمكن «بها من الخروج من النار التي خلف الإله العظيم.»

11

وعندما كان المتوفى يضطر بالفعل إلى الدخول في النار فقد كان في قدرته أن يدخلها وهو في أمان منها بوساطة «تعويذة لدخول النار والخروج من النار خلف السماء.»

والواقع أن الكهنة قد رسموا للمتوفى مصورا للرحلة التي تنتظره، ليكون مرشدا له عند باب النار العظيم في المدخل، وليريه الطريقين اللذين يمكنه أن يسلكهما، وكان أحد ذينك الطريقين بريا والآخر مائيا، وبينهما بحيرة من نار، وكان ذلك المصور ملونا بالألوان المختلفة على صفحة قاع التابوت من الداخل حيث يكون جثمان المتوفى فوقها؛ إذ إن ذلك المكان هو الملائم لرسم مصور العالم السفلي.

وكان مع ذلك المصور دليل سحري يسمى «كتاب الطريقين»، وكان أيضا مسجلا فوق التابوت. على أنه كان يخشى بالرغم من كل تلك الإرشادات أن يتجول المتوفى لسوء حظه في مكان إعدام الآلهة، ولكنه كان ينجو من ذلك بتعويذة «عدم الدخول في مكان إعدام الآلهة.»

وخوفا من أن يحكم على المتوفى بالمشي منكوسا على رأسه، فإنه كان يجهز «بتعويذة تمنعه المشي على رأسه منكوسا.» وكان أولئك الموتى التعساء الذين يجبرون على المشي بذلك الوضع المنكوس أشد أعداء الإنسان في عالم الآخرة، ولذلك كانت الحيطة منهم أمرا ضروريا جدا؛ إذ يقال للمتوفى: «إن الحياة تأتي إليك ولكن الموت لا يأتي إليك ... وهي (الجوزاء والشعرى ونجم الصباح) تنجيك من حنق الموتى الذين يمشون ورءوسهم إلى أسفل، وأنت لست منهم ... استيقظ للحياة فإنك لن تموت، قم للحياة فإنك لن تموت.»

وبتلك الكيفية ظل الاعتقاد في قوة تأثير السحر آخذا في الانتشار، وكان بمثابة سلاح لا يخطئ في يد المتوفى. وسنرى السحر في النهاية يسود كل المعتقدات الجنازية الأخرى كما سيكشف لنا ذلك «كتاب الموتى» بعد مضي عدة قرون على ذلك العهد الذي نحن بصدده.

وليس من شك في أن المذهب الأوزيري كان له أثر عظيم في انتشار استعمال تلك الوسائل السحرية الجنازية؛ إذ إن أسطورة «أوزير» التي كانت منتشرة في ذلك الزمن انتشارا عاما قد جعلت لكل طبقات الشعب إلماما بنفس تلك الوسائل التي اتخذتها «إزيس» لإحياء زوجها «أوزير» من الموت، وهي الطرق التي صار كل مصري قديم يعتقد في تأثيرها العظيم في حالته الأخروية كما أثرت في «أوزير» من قبل.

ومع ما كان لمذهب «أوزير» من القوة في عصر الأهرام فإن انتشاره العام الآن في العهد الإقطاعي قد فاق كل انتشار عرف عنه من قبل، ونرى في ذلك ظفر ديانة الشعب المناهضة إذ ذاك لعبادة «رع» الحكومية التي كانت تشبه العبادات بأية كنيسة معترف بها الآن. وسيادة «رع» تعتبر ظفرا سياسيا، أما ظفر ديانة «أوزير» التي كان يشد أزرها بلا ريب طائفة من مهرة الكهنة، وربما كانوا يقومون لها بدعاية مستمرة وقتئذ، فإنه كان انتصارا لعقيدة شائعة بين جميع طبقات المجتمع، وهو انتصار لم يكن في طاقة أية طائفة صده، ولا في طاقة الحكومة ولا الأشراف مناهضته؛ ذلك لأن النعم التي كان يقوم بإغداقها المصير الأوزيري في الحياة الآخرة على كل الناس جعلها ذات جاذبية قوية شاملة لا تضاهيها أية جاذبية أخرى منافسة لها. وإذا كانت تلك النعم المذكورة في يوم ما مقصورة على الفرعون وحده، كما كان المصير الشمسي في متون الأهرام مقصورا عليه، فإننا قد شاهدنا أنه حتى الآخرة الشمسية الملكية قد صارت الآن من حق الجميع.

ومن بين القبور المبجلة التي يجرع تاريخها إلى عهد الأسرة الأولى في «العرابة المدفونة» قبر كان يعتبره القوم في العصر الذي نحن بصدده، قبر «أوزير» (مع أن عمره كان وقتئذ ما بين 13، 14 قرنا)، وقد طار صيته بسرعة حتى صار المقام المقدس في مصر، فكانت تحج إليه كل طبقات الشعب، وكانت أعظم البركات التي يطمع فيها الإنسان أن يدفن بجوار ذلك القبر المقدس؛ ولذلك كان أكثر من موظف ممن قاموا بمأمورية أو رسالة رسمية في هذه الجهة ينتهز الفرصة لإقامة قبر له هنالك، وإذا تعذر بناء قبر حقيقي لمن يريد ذلك كان من الخير أن يقيم لنفسه مقبرة وهمية على الأقل، يكتب عليها اسمه وأسماء باقي أسرته وأقاربه، وإذا تعذر ذلك أيضا أقام لنفسه نصبا تذكاريا أو لوحة ينقش عليها صلوات للإله العظيم توسلا من الزائر وأسرته، وقد فعل ذلك الكثير من الحجاج والزوار من الموظفين، وفي ذلك يقول موظف من عهد الملك «سنوسرت الأول»: «لقد أقمت هذا القبر عند طريق سلم الإله العظيم لأكون من بين أتباعه، ولكي يقدم الجنود الذين يأتون في ركاب جلالته إلى روحي (يعني الكا) من خبزه ومئونته، وقد فعلت ذلك أسوة بكل رسول ملكي يأتي للتفتيش على حدود جلالته.»

صفحة غير معروفة