ولا تقتصر الفجالة على الأدباء المشتغلين بالصحف، أو الكتاب المعروفين في عالم الأدب، بل ترى فيها غير واحد ممن لا يعرف فضلهم وأدبهم إلا المختلطون بهم، وفي مقدمة أولئك صاحب العزة سليم بك باخوس، وإبراهيم بك مصور مترجم مؤلفات السير ويليم ويلكوكس - وقد نقل سكنه من الفجالة، ولكنه يقضي معظم نهاره فيها - والدكتور يوسف أفندي سعد، والمحامي إبراهيم أفندي الجمال صاحب مجلة الحقوق، والدكتور جورجي أفندي صبحي الباحث في اللغة القبطية وآثار قدماء المصريين ومدنيتهم، والخوري جبرائيل رزق أستاذ الطبيعيات في كلية العائلة المقدسة، والباحث السري يوسف بك نحاس، والصيدلي وديع أفندي حريري، والدكتور أمين أفندي معلوف صاحب المباحث اللغوية والتاريخية الدقيقة في المقتطف والمقطم، والأستاذ منصور أفندي عوض الموسيقي الذي لا يبارى، والأديبان نجيب ونسيب مشعلاني، وغيرهم كثيرون من الأدباء ورجال الدين الكاثوليك، الذين تشهد لهم آثارهم القلمية ومجالسهم بالتفوق في العلوم والفنون المختلفة. (12) أندية الأدباء والمفكرين في الفجالة (12-1) قهوة غنطوس مصوبع
أنشئت سنة 1891، والفجالة يومئذ قليلة المباني، كثيرة الحدائق، لا يأوي إليها إلا طالب هدوء أو مسترق لحاظ، وأقفلت في أواخر فبراير سنة 1916 بعد أن ظلت ربع قرن مجمعا للأدباء والصحفيين المترددين على شارع الفجالة والقاطنين فيه، يجرهم إليها لطف الخواجا غنطوس وشرابه السائغ ومزاته المنتقاة. والخواجا غنطوس، أطال الله بقاءه، أديب ظريف يلذك مجلسه بنوع أخص بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحا؛ أي قبل حضور الزبائن، فإذا شرفت أمر لك بالقهوة، وأسمعك من كل فن خبرا.
وقد أنشأ الخواجا غنطوس جريدة أسبوعية سماها «الإعلان» في سنة 1892، وجعل قهوته مركزا لإدارتها.
وشرع في نشر سلسلة كتب تصدر تباعا باسم «مكتبة الإعلان»، قرأت منها كتابا في «أصول الشطرنج»، وآخر في مجموعة قوانين ولوائح.
وكان بين الأدباء الذين آووا إلى قهوة غنطوس: الشيخ إبراهيم اليازجي، وابن أخته الشيخ نجيب الحداد، وسليمان أفندي البستاني. فكانوا إذا ما طلبوا الراحة أقبلوا على هذه القهوة، فتعقد حولهم حلقة من فتية «غذوا بلبان البيان، وجروا على سحبان ذيل النسيان» على ما يقول الحريري.
وكثيرا ما شهدت زوايا تلك القهوة تصحيح مسودات «الضياء» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الإلياذة».
ومن غريب الاتفاق أن في تلك القهوة التي ألفها صاحب الضياء وضع بروجرام جنازته، فإنه ما فاضت روحه الكريمة في الزيتون حتى ضرب سليمان أفندي البستاني ميعاد الاجتماع «عند مصوبع»، وهناك رتبوا الجنازة، فوفوا له بحقوق الصداقة في مماته كما وفوها في حياته.
وممن اتخذوا قهوة مصوبع «محلا مختارا» الأستاذ إبراهيم أفندي الجمال المحامي الأديب، والمرحوم ميشيل الحكيم، وإبراهيم النجار، والمرحوم خليل جاويش، وأخوه نجيب أفندي جاويش، ونجيب أفندي مشعلاني. فكانوا يقضون ساعة ظهر كل يوم إلى جانب البنك، ويتناولون «الأبريتيف»، ممزوجا بما رق وراق من بدائع المنثور والمنظوم.
وقل أن أديبا معروفا في القاهرة، أو مر بها لم يظلل رأسه سقف قهوة مصوبع، بل الأقل منه أن يكون أحدهم قد خرج من محل مصوبع يوما ما غير راض عن كمال الخدمة التي أديت إليه، أو هيئة الجمعية التي جلس إليها.
و«عند مصوبع» بدأت الدعوة لترشيح سليمان أفندي البستاني للنيابة عن ولاية بيروت في مجلس المبعوثان على أثر إعلان الدستور في تركيا.
صفحة غير معروفة