الإيمان بين السلف والمتكلمين
الناشر
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
فهذه ثلاث مراتب للناس في مسألة التصديق، ذكرها وأصدر حكمه على كل طائفة منها بعد ذلك فقال:" من صدق بالله، وبما جاء من عند الله بقلبه ولسانه، فهو عند الله وعند الناس مؤمن. ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه كان عند الله كافرًا وعند الناس مؤمنًا، لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه، وعليهم أن يُسمُّوه مؤمنًا بما ظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة، وليس لهم أن يتكلَّفوا علم ما في القلوب. ومنهم من يكون عند الله مؤمنًا، وعند الناس كافرًا،وذلك بأن الرجل يكون مؤمنا بالله، وبما جاء من عنده، ويُظهر الكفر بلسانه في حال التُّقية، أي في حال الإكراه، فيسمِّيه من لا يعرف أنه يتقي كافرًا، وهو عند الله مؤمن " ١.
ومن مجموع ما تقدم ذكره من النصوص يتبين لنا أن مذهب أبي حنيفة في الإيمان عبارة عن أمرين: إقرار، وتصديق، كما صرح هو بذلك، فيما قدمنا، وكما ذكر عنه أصحابه في كتبهم. إلا أن التصديق عنده، له مكانة ليست للإقرار، إذ التصديق أرسخ، لا يمكن زواله بحال، فلا يزول إلا بالكفر. أما الركن الآخر فيمكن سقوطه وزواله، مع بقاء الإنسان مؤمنًا بذلك التصديق القلبي، وكما في حال العذر والإكراه على إظهار ضده، فيمتثل تقية من عدوٍّ أو نحوه. وقد استدل على ما ذهب إليه من أن الإيمان عبارة عن التصديق والإقرار بما يأتي:
أما على أنه تصديق فاستدل بعين أدلة الأشاعرة على ذلك من الآيات التي أضافت الإيمان إلى القلب من مثل قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ﴾ ٢، وقوله سبحانه: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم﴾ ٣، وغيرها مما سنذكره عند بيان مذهبهم إن شاء الله.
أما جعل الإقرار ركنًا آخر في الإيمان فاستدل له بدليل عقلي وهو أن اللسان ترجمان الجنان، فيكون دليل التصديق وجودًا وعدمًا، بمعنى أن
_________
١ المصدر السابق.
٢ المجادلة:٢٢.
٣ الحجرات:١٤.
1 / 97