الإيمان بين السلف والمتكلمين
الناشر
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
معرَّض لوساوس الشيطان، ومائل إلى الهوى والشهوات بطبيعته فإن هو أخطأ بارتكاب كبيرة، فتكفيره ليس أمرًا سهلًا، يمكن الحكم به لأول بادرة من الجرائم، أو حتى إن أصبح ارتكاب المحرمات الكبيرة سجية له، فإن ما في قلبه من إصرار واستحلال أو عدمهما أمر خاف علينا، وقد يؤنبه ضميره بعد ارتكابها ويتحرك الإيمان في قلبه فيندم، ولكن لِضعف إيمانه ذاك يتغلَّب عليه الشيطان مرة أخرى، فيوقعه في حبائله، وهكذا دواليك، حتى أن من رآه يظنه انسلخ من إيمانه كلية ورضي بعبادة الشيطان، والأمر غير ذلك.
والسلف ﵏ إنما أجمعوا على القول بتكفير من ارتكب محرمًا، معلومًا تحريمه من الدين بالضرورة، مستحلًا له، لأن ذلك مكابرة وتكذيبًا صريحًا لله تعالى، ولرسوله ﷺ، وذلك ولا شك كفر بواح.
وبعد عرضنا لمذهب السلف في مرتكب الكبيرة إليك أبرز أدلتهم لما ذهبوا إليه:
أما من القرآن الكريم: فقد استدلوا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ١.
قال ابن جرير الطبري ﵀ في تفسير هذه الآية: وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليها، ما لم تكن كبيرة شركًا بالله ٢.
وقوله سبحانه: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...﴾ ٣ وقد أورد الإمام البخاري ﵀ هذه الآية في صحيحه، مستدلًا بها على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر، ولا يُسلب منه اسم الإيمان، لأن الله ﵎ سماهم مؤمنين مع اقتتالهم ٤.
_________
١ النساء: ٤٨، ١١٦.
٢ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج٥ ص١٢٦، ط٢ بمطبعة مصطفى الحلبي بمصر، سنة ١٣٧٣هـ - ١٩٥٤م.
٣ الحجرات: ٩.
٤ انظر: صحيح البخاري مع شرح فتح الباري، ج١ ص٨٤، ط المطبعة السلفية.
1 / 59