وقال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي علوم الحديث الآن ثلاثة أشرفها حفظ متونه ومعرفة غريبها وفقهها والثاني حفظ أسانيده ومعرفة رجاله وتمييز صحيحه من سقيمه وهذا كان مهما وقد كفي المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف فيه فلا فائدة في تحصيل ما هو حاصل والثالث جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان والمشتغل بها مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة فضلا عن العمل به الذي هو المطلوب الأصلي إلا أنه لا بأس به لأهل البطالة لما فيه من بقاء سلسلة الاسناد المتصلة بأشرف البشر قال ومما يزهد في ذلك أنه فيه يتشارك الكبير والصغير والفاهم والجاهل والعالم وقد قال الأعمش حديث يتداوله الفقهاء خير من حديث يتداوله الشيوخ
قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وفي بعض كلامه نظر لأن قوله وهذا قد كفيه المشتغل بما صنف فيه قد أنكره العلامة أبو جعفر ابن الزبير وغيره ويقال عليه إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال عليه وعدم الاشتغال به فالقول كذلك في الفن الأول فإن فقه الحديث وغريبه لا يحصر كم صنف فيه بل لو ادعى مدع أن التصانيف فيه أكثر من التصانيف في تمييز الرجال والصحيح من السقيم لما أبعد بل ذلك هو الواقع فإن كان الاشتغال بالأول مهما فالاشتغال بالثاني أهم لأنه المرقاة إلى الأول فمن أخل به خلط السقيم بالصحيح والمعدل بالمجرح وهو لا يشعر قال فالحق أن كلا منهما في فن الحديث مهم ولا شك أن من جمع بينهما حاز القدح المعلى مع قصور فيه إن أخل بالثالث ومن أخل بهما فلا حظ له في اسم الحافظ ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان بعيدا في اسم المحدث عرفا ومن يحرز الثاني وأخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث ولكن فيه نقص بالنسبة للأول وبقي الكلام في الفن الثالث ولا شك أن من جمع ذلك من الأولين كان أوفر سهما ومن اقتصر عليه كان أحسن حظا وأبعد حفظا ومن جمع الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا ومن انفرد باثنين منهما كان دونه إلا أن من اقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف لاحظ له في اسم الفقيه كما أن من انفرد بالأول كان لا حظ له في اسم المحدث ومن انفرد بالأول والثاني فهل يسمى محدثا فيه بحث
صفحة ٧٤