5
والإبوخيه لا يعني إنكار وجود العالم الخارجي (ولا إثباته )، فنحن لا نحذف الواقع الخارجي أو نقصيه أو نلغيه، وإنما نحن، ببساطة، نحيده ونضعه جانبا ونضرب عنه صفحا، وبهذه الطريقة يتمكن المرء من بلوغ الموقف الفلسفي القويم .
والفلسفة؛ إذ تبلغ هذا الموقف الفينومينولجي تجاه موضوعات الوعي، لا تشغلها هذه الموضوعات من حيث هي محتويات ذهنية معينة، بل تشغلها من حيث هي دلالات أو معان، فالإبوخيه يسلخ موضوعات الوعي الظاهرية الخالصة من وجودها أو عدم وجودها ومن كل ما هو غير جوهري لها لكي تكون ما هي، عندئذ نراها كما هي في ذاتها، كما يتعين أن تكون من أي زاوية ومن أي وجهة رأي إن كان لها أن تكون ذلك الصنف من الأشياء الذي تكونه، وهو ما نعنيه حين نقول إننا عندئذ «نرى ماهيتها»، والحق أن الفينومينولوجيا، بل كل فلسفة حقة، لتأبى إلا أن تكون «علما للماهيات»
Science of Essences
أو «علما للصور»
Eidetic Science .
هذه الماهيات مستقلة عن أي وعي فردي، وموضوعية بصفة مطلقة، وصائبة صوابا عاما شاملا، ذلك أنها تكشف لنا، في حالة مثول موضوع معين للوعي، ما يتعين أن يكون جزءا من وعي هذا الموضوع، والحق أن معرفة الماهيات هي شأن مستقل تماما عن كل أسئلة أو معرفة عن الوجود أو الواقع، فماهية أي موضوع هي أمر لا شأن له بما إذا كانت توجد بالفعل أي أمثلة لهذا الموضوع.
وهذه الماهيات «تدرك بالحدس»
Intuited
أو العيان، أي بالرؤية العقلية المباشرة، وعندما يمثل موضوع معين للوعي، فهو يمثل دائما بوصفه ذلك المظهر بالذات وليس مجرد مظهر، أي إن له «دلالة»
صفحة غير معروفة