من الواضح أن مفهوم «دائرة التأويل» ينطوي على تناقض منطقي (أو «مفارقة»
إن شئت الدقة): فإذا تعين علينا أن نفهم الكل لكي نفهم الأجزاء، فلن يتأتى لنا أن نفهم أي شيء، غير أننا قلنا إن الجزء يستمد معناه من الكل، ومن المؤكد من الجهة الأخرى أننا لا يمكن أن نبدأ من الكل غير المتميز إلى أجزاء! وإذا كان الأمر كذلك ألا يعد مفهوم دائرة الهرمنيوطيقا مفهوما ممتنعا ومستحيلا؟ بالطبع هو مفهوم ممتنع إذا كنا نفكر في الأمور تفكيرا خطيا مستقيما ، غير أن المنطق الخطي يعجز عن تقديم شرح مقنع لعمل الفهم، أما وجه الأمر فهو أن هناك «قفزة» تحدث إلى داخل دائرة التأويل، وأننا في الحقيقة نفهم الكل والأجزاء معا، فالفهم عملية إحالية مقارنة من جهة، وحدسية استشفافية من جهة أخرى، ولكي تعمل دائرة التأويل على الإطلاق فهي تفترض بالضرورة عنصرا حدسيا.
وقد أدرك المفكرون منذ القدم فكرة الاعتماد المتبادل بين الكل والجزء في عملية الفهم وما ينطوي عليه ذلك من مفارقة ظاهرة، وذهب أصحاب المذهب العقلي
Rationalists
إلى ضرورة وجود شيء من المعرفة الفطرية لكي تكون المعرفة ممكنة على الإطلاق؛ إذ يبدو من المعقول أن الإنسان يلزمه أن يكون عارفا بشيء ما لكي يتعلم شيئا آخر، بينما البدء من الصفر ثم تعلم كل شيء من التجربة هو أمر لا يسيغه العقل، وللغوي المعاصر نوام تشومسكي جهود لإثبات ذلك في مجال اللغة،
2
ومن المفارقات الشهيرة في الفلسفة ما يعرف باسم «مفارقة التعلم»
Learning
، وتعني أننا إذا كنا لا نفقه شيئا على الإطلاق فلن يمكننا أن نبدأ في تعلم هذا الشيء، ما دمنا لا نعرف ما يكفي لأن نعرف كيف نبدأ! وقد كان أفلا
Anamnesis
صفحة غير معروفة