1.1.14
[1.14.1]
وبلغني أن رجلا من العجم ... بقول الله جل وعز {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وقال الشعوب من العجم والقبائل من العرب وقد قدم الله الشعوب في الذكر والمقدم أفضل من المؤخر.
[1.14.2]
وكنت أرى أهل التسوية يحتجون بهذه الآية ولم أعلم أن أحدا يعقل يدعي الفضل بها ولا يرضى بالمحاجزة. وقد غلط من وجهين أحدهما أن تقديم الذكر لا يوجب تقديم الفضل قال الله عز وجل {يا معشر الجن والإنس} فقدم الجن على الإنس والإنس أفضل منها وقال لا يعزب عنه {مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} فقدم الأرض والسماء أفضل منها وهذا يكثر لو تتبعناه. والوجه الآخر أن العجم ليست بالشعب أولى من العرب وكل قوم كثروا وانشعبوا فقد صاروا شعوبا حكى ابن الكلبي عن أبيه أن الشعب أكثر من القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم العشيرة ثم الفصيلة ... فلم أر سعدا مثل وقال ... خليطين من شعبين ... جميعا وكانا بالتفرق ... وإنما نسبت العجم إلى الشعوب لأن ما انشعب منها أكثر مما انشعب من العرب فجعلت الشعوب علما لأجناسها.
[1.14.3]
وأما أهل التسوية فإن منهم قوما غلبت عليهم السلامة ومالت بهم الديانة فذهبوا إلى قول الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وإلى قول النبي صلى الله عليه إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي وإلى قوله كلكم بني آدم طف الصاع لم تملأ وليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى وإلى قوله الناس سواء كأسنان المشط وتجدون الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة.
[1.14.4]
فقضوا بظاهر الكلام ولم يفتشوه ولم يعتبروا بغيره فيعرفوه ولو كان الناس كلهم سواء في أمور الدنيا ليس لأحد على أحد فضل إلا بأمر الآخرة لم يكن في الدنيا شريف ولا مشروف ولا ... فاضل ولا مفضول فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وقوله لقوم قدموا عليه من سيدكم؟ قالوا جد بن قيس على بخل فيه قال وأي داء أدوى من البخل؟ وقال لقيس بن عاصم هذا سيد أهل الوبر وقال يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن فطلع جرير بن عبد الله وقال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. وكانت العرب تقول لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا يريدون أنهم لا يزالون بخير ما كان فيهم أشراف وخيار فإذا خملوا جميعا هلكوا وقال الشاعر في هذا المعنى [طويل]
سواء كأسنان الحمار فلا ترى
لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا
صفحة غير معروفة