... بسم الله الرحمن الرحيم
صفحة ١
قال الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، المحدث سالم بن محمد السنهوري : باب ما جاء في أسماء ليلة النصف من شعبان ومنها الليلة المباركة ، قال أبو العباس بن عطاء مباركة لمجاورة الملائكة ومقاربتهم ، فقد روي أن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يسح الله الخير في أربع ليال سحا ، وذكر منها ليلة النصف من شعبان .
ومن أسمائها ليلة القسمة والتقدير ، لما روي عن عطاء بن يسار قال : إذا كان ليلة النصف من شعبان نسخ ملك الموت كل من يموت من شعبان إلى شعبان ، وإن الرجل ليظلم ويفجر ، وينكح النسوان ، ويغرس الأغراس ، وقد نسخ اسمه من الأحياء إلى الأموات ، وما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل منها .
وفي رواية عنه أيضا قال : إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة ، فيقال : اقبض من في هذه الصحيفة ، فإن العبد ليغرس الغرس وينكح الأزواج ، ويبني البنيان ، واسمه قد نسخ في الموتى ، وما ينظر به ملك الموت إلا أن يؤمر به فيقبضه .
وروي عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال : تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، وإن الرجل لينكح ، ويولد له ، وقد خرج اسمه في الموتى .
/ ... وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله عز وجل 2ب ليقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان ، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر ، وفي رواية ليلة السابع والعشرين من رمضان .
... وروي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وكان من أكثر صيامه في شعبان ، قلت : يا رسول الله أراك أكثر صيامك في شعبان ، قال : يا عائشة إنه شهر نسخ لملك الموت من يقبض ، وأنا أحب ألا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم ، وفي رواية عنها قالت : ما كان تعني النبي صلى الله عليه وسلم من الشهور بعد رمضان أكثر صياما منه في شعبان ، قال صلى الله عليه وسلم : إن الأسماء تنسخ من الأحياء إلى الأموات .
صفحة ٢
... وفي النسائي من حديث أسامة ، قلت : يا رسول الله لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ، قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال لرب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .
... وفي الصحيحين عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما من شعبان إلا قليلا .
ومن أسمائها ليلة التكفير ، لما ذكر السبكي في تفسيره من أنها تكفر ذنوب السنة ، وليلة الجمعة تكفر ذنوب للأسبوع ، وليلة القدر تكفر / 3أ ذنوب العمر .
ومن أسمائها ليلة الإجابة لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء : ليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة العيدين ، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، والبيهقي في شعب الإيمان موقوفا ، وأخرجه الديلمي عن أسامة مرفوعا : خمس ليال لا يرد فيهن دعوة : أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة ، وليلتا العيدين .
وقال الشافعي رحمه الله في الأم : وبلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال : في ليلة الجمعة ، وليلة الأضحى ، وليلة الفطر ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان .
ومن أسمائها ليلة الحياة لما رواه إسحاق بن راهويه بسنده عن وهب بم منبه قال : إذا كان ليلة النصف من شعبان لم يمت أحد بين المغرب والعشاء ؛ لاشتغال ملك الموت بقبض الصكاك من رب العالمين.
صفحة ٣
ومن أسمائها ليلة عيد الملائكة ، لما ذكره أبو عبد الله طاهر بن محمد ابن أحمد الحداد ، في كتابه عيون المجالس ، فيما قيل إن للملائكة في السماء ليلتي عيد ، كما أن للمسلمين ، أي من البشر يومي عيد ، فعيد الملائكة ليلة البراءة ، يعني ليلة النصف من شعبان وليلة القدر ، وعيد المؤمنين يوم الفطر ، ويوم الأضحى .
ومن أسمائها ليلة الشفاعة ، لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في تلك الليلة فنزل عليه جبريل ، فقال : إن الله /3ب تبارك وتعالى قد أعتق من النار نصف أمتك . ... ... ... ...
ومن أسمائها ليلة البراءة ، وليلة البركة ، وليلة التعظيم ، وليلة القدر ، وليلة الغفران والعتق من النيران .
باب ما جاء في فضل ليلة النصف من شعبان
روى الإمام أحمد في مسنده مرسلا عن كثير بن مرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان إلى العباد ؛ فيغفر لأهل الأرض إلا رجلين : مشرك ومشاحن ، رواه الطبراني ، وابن حبان مسندا مرفوعا عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل بنحو لفظه .
وروى الدارقطني في كتاب السنن وغيره بسنده عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يطلع على عباده في كل ليلة نصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ، ويملي للكافرين ، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه .
صفحة ٤
وخرج الدار قطني أيضا ، والإمام أحمد بسنديهما عن عائشة ، قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فخرجت فإذا هو بالبقيع رافعا رأسه إلى السماء ، فقال : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ، قالت : قلت : وما ذاك بي يا رسول الله ، ولكن ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، قال : إن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب ، وخرجه ابن ماجة في سننه بنحوها ، وهو أمثل ما /4 أورد في فضائل ليلة النصف من شعبان ، وخرجه ابن حبان في صحيحه ، لكن قال الترمذي : ضعف البخاري هذا الحديث .
صفحة ٥
وخرج الدار قطني من حديث بكر بن سهل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : كانت لية النصف من شعبان ليلتي وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ، فلما كان في جوف الليل فقدته فلم أجده ، فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة ؛ فتلفعت بمرطي ، أما والله ما كان مرطي خزا ولا قزا ، ولا حريرا ، ولا ديباجا ، ولا قطنا ، ولا كتانا ، قيل : ومم كان ؟ قالت : كان شعرا ولحمته من أوبار الإبل ، فطلبته في حجر نسائه ، فلم أجده ، فانصرفت إلى حجرتي ؛ فإذا به كالثوب الساقط على وجه الأرض ساجدا وهو يقول في سجوده : سجد لك سوادي وخيالي ، وآمن بك فؤادي ، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي ، يا عظيما يرجى لكل عظيم ، اغفر الذنب العظيم ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره ، وشق سمعه وبصره ، ثم رفع رأسه ، فعاد ساجدا ، فقال : أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقابك ، وبك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، أقول كما قال أخي داود عليه السلام ، وأعفر وجهي في التراب لسيدي ، وحق له / أن يسجد ، ثم رفع4ب رأسه فقال : اللهم ارزقني قلبا تقيا ، لا كافرا ولا شقيا ، ثم انصرف ، ودخل معي في الخميلة ، وفي نفس عال فقال : ما هذا النفس ، فأخبرته ، فطفق يمسح بيده على ركبتي ويقول : ويس هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة ، ليلة النصف من شعبان ، ينزل الله إلى سماء الدنيا ؛ فيغفر الله لعباده إلا مشرك أو مشاحن .
قال ابن المبارك : سمعت الأوزاعي يفسر المشاحن بكل صاحب بدعة مفارق للجماعة والأمة ، وفي رواية عن الأوزاعي : ليس المشاحن الذي لا يكلم الرجل ، إنما المشاحن الذي في قلبه شحناء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
صفحة ٦
وروي عن عمير بن هانئ ، سألت أبي [ هكذا ] ثوبان (¬1) عن المشاحن ، فقال : هو التارك لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الطاغي على أمته ، السافك دماءهم .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن لهيعة بسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر الله لعباده إلا لاثنين مشاحن ، وقاتل نفس ، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليلة النصف من شعبان يهبط الرحمن عز وجل إلى سماء الدنيا ، فينظر إلى أعمال العباد ؛ فيغفر للمستغفرين ، ويتوب على التائبين ، ويستجيب / للسائلين ، ويكفي المتوكلين ، ويدع أهل الضغائن لا يفعل بهم 5 أشيئا من ذلك ، ويغفر الذنوب جميعا لمن يشاء ، إلا مشرك ، أو قاتل نفس حرمها الله تعالى ، أو مشاحن .
ومن حديث عبد الله بن سلام بسنده عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان ليلة النصف من شعبان ، وذهب ثلث الليل ، ينزل الله إلى سماء الدنيا ، فيقول : هل من داع فأجيبه ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ، فيغفر للمؤمنين إلا زانية تكتسب بفرجها ، أو عشارا (¬2) ، أو رجلا بينه وبين أخيه شحناء .
صفحة ٧
وروى محمد بن عيسى ابن حبان بسنده أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه دخل على عائشة ، فقالت عائشة : يا أبا سعيد حدثني شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدثك بما رأيته يصنع ، قال أبو سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى صلاة الصبح قال : اللهم املأ سمعي نورا ، وبصري نورا ، ومن بين يدي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، ومن خلفي نورا ، وعظم لي نورا برحمتك .
صفحة ٨
قالت عائشة : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع عنه ثوبيه ، ثم لم يستقم أن قام فلبسهما ، فأخذتني غيرة شديدة ، ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي؛ فخرجت أتبعه، فأدركته في البقيع / بقيع الغرقد، يستغفر 5 ب للمؤمنين والمؤمنات ، والشهداء ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، أنت في حاجة ربك وأنا في حاجة الدنيا ، فانصرفت ، فدخلت حجرتي ، ولي نفس عال ، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه النفس يا عائشة ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، أتيت فوضعت عنك ثوبيك ، ثم لم تستقم أن قمت ، فلبستهما ، فأخذتني غيرة شديدة ، وظننت أنك تأتي بعض صويحباتي ، حتى رأيتك بالبقيع تصنع ما تصنع ، قال : يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ، قالت : ما ذاك بي يا رسول الله ، قال : أتاني جبريل ، وقال : هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ، ولله عز وجل فيها عتقاء من النار بعدد شعر غنم بني كلب لا ينظر الله فيها إلى مشرك ، ولا إلى مشاحن ، ولا إلى قاطع رحم ، ولا إلى مسبل (¬1) ، ولا إلى عاق لوالديه ، ولا إلى مدمن خمر ، قالت : ثم وضع عنه ثوبيه ، قال : يا عائشة أتأذنين لي في قيام هذه الليلة ، فقلت : نعم ، بأبي أنت وأمي ، فقام ، فسجد سجودا طويلا ، حتى ظننت أنه قبض ، فقمت ألتمسه ، ووضعت يدي على باطن قدميه ، فتحرك ، ففرحت ، وسمعته يقول في سجوده : أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ، جل وجهك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، فلما أصبح ذكرتهن له ، فقال : يا عائشة أتعلميهن ، قلت : نعم ، فقال : / تعلميهن ، وعلميهن6أ ، فإن جبريل علمنيهن ، وأمرني أن أرددهن في السجود .
صفحة ٩
... وروى إبراهيم بن إسحاق العسلي بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، فقال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل عائشة ، رضي الله عنها في حاجة ، فقلت لها أسرعي ، فإني تركت النبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم على ليلة النصف من شعبان ، فقالت : يا أنس اجلس أحدثك بحديث ليلة النصف من شعبان ، تلك الليلة كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء ودخل معي في لحافي ، فانتبهت من الليل فلم أجده ، قمت ، فطفت في حجرات نسائه ، فلم أجده ، فقلت : لعله ذهب إلى مارية القبطية ، فخرجت ومررت في المسجد ، فوقعت رجلي عليه ، وهو يقول : سجد لك سوادي وخيالي ، وآمن بك فؤادي ، وهذه يدي التي جنيت بها على نفسي ، فيا عظيم ، هل يغفر الذنب إلا الرب العظيم ، قالت : فرفع رأسه وهو يقول : اللهم هب لي قلبا تقيا نقيا ، من الشر بريا ، لا كافرا ولا شقيا ، ثم عاد فسجد ، وهو يقول : أقول كما قال أخي داود ، أعفر وجهي في التراب لسيدي ، وحق لوجه سيدي أن تعفر الوجوه لوجهه ، ثم رفع رأسه فقلت : بأبي أنت وأمي ، أنت في واد ، وأنا في واد ، قال : يا حميراء ، أما تعلمين أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ، إن لله عز وجل في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم بني كلب ، فقلت : يا رسول الله ، وما بال شعر غنم بني كلب ، / قال : لم يكن في العرب 6 ب قبيلة أكثر غنيمة منهم ، إلا لستة نفر : لا مدمن خمر ، ولا عاق لوالديه ، ولا مصر على مصارم ، ولا مضرب ، ولا فتان ، وفي رواية مصور بدل مضرب .
... وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يطلع الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان، فيغفر للجميع إلا لمشرك ، أو مشاحن .
صفحة ١٠
... وعن القاسم بن محمد عن أبيه ، أو عمه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل إنسان إلا من في قلبه شحناء ، أو مشركا بالله عز وجل ، وفي لفظ فيغفر لكل بشر ما خلا كافرا أو رجلا في قلبه شحناء .
... وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أربع ليال لياليهم كأيامهن ، وأيامهن كلياليهن يبر الله فيهن القسم ، ويعتق النسم ، ويعطي فيهن الجزيل : ليلة القدر وصباحها ، وليلة النصف من شعبان وصباحها ، وليلة عرفة وصباحها ، وليلة الجمعة وصباحها .
... وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة ، فعند ذلك تحن قلوب المؤمنين إليها ، قالت عائشة رضي الله عنها : ونرى أن تلك اللحظة في شعبان ، وفي رواية ونرى أن تلك الليلة في وسط شعبان .
/ باب ما جاء في إحياء ليلة النصف من شعبان ... ... ... ... 7أ
... روى عبد الرزاق بن همام بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإن الله عز وجل ينزل فيها لغروب الشمس ، فيقول : ألا من مستغفر أغفر له ، ألا من مسترزق أرزقه ، حتى يطلع الفجر ، رواه ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف ، وفيه ألا من يستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر .
... وروى الأصبهاني في الترغيب ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحيى الليالي الخمس ، وجبت له الجنة : ليلة التروية ، وليلة عرفة ، وليلة النحر ، وليلة الفطر ، وليلة النصف من شعبان .
صفحة ١١
... وروي من حديث عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أحيى ليلة النصف من شعبان ، وليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ، والأولى إحياؤها بصلاة التسابيح التي عملها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس ، ولغيره من أقاربه صلى الله عليه وسلم .
... وروى أبو داود بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل لك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه /خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته ، أن7ب تصلى أربع ركعات تقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة فى أول ركعة وأنت قائم فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولهما عشر ثم ترفع فتقولها عشرا وتهوى ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك وتقولها عشرا ثم تسجد وتقولها عشرا ثم ترفع وتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون فى كل ركعة تفعل ذلك فى أربع ركعات إن استطعت أن تصليهما فى كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففى كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففى كل شهر مرة فإن لم تفعل ففى كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة .
صفحة ١٢
وفي رواية الطبراني : فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر ، أو رمل عالج ، غفرها الله لك ، قال الحافظ صلاح الدين العلائي : حديث صلاة التسابيح حديث صحيح ، أو حسن ولا يد (¬1) .
وقال الإمام البلقيني في التهذيب : حديث صلاة التسابيح صحيح ، وله طرق يعضد بعضها بعضا ، فهي سنة ينبغي العمل بها ، وقال عبد العزيز ابن أبي داود : من أراد الجنة فعليه بصلاة التسابيح ، انتهى .
وقال أبو عثمان الحيري الزاهد : ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسابيح .
زاد الطبراني في معجمه الأوسط أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها بعد التشهد ، وبعد السلام ، فيقول : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل / اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وجد 8أ أهل الخشية ، وطلب أهل الرغبة ، وصبر أهل الورع ، وعرفان أهل العلم حتى أخافك، اللهم إني أسالك مخافة تحجزني بها عن معاصيك ، حتى أعمل لطاعتك ، وعملا أستحق به رضاك ، حتى أناصحك في التوبة ، وخوفا منك ، حتى أخلص لك في النصيحة ، وحبا لك ، حتى أتوكل عليك في الأمور ، وحسن الظن بك ، سبحان خالق النور ، ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، ثم يسلم .
صفحة ١٣
خاتمة روى ابن الجوزي في كتاب التوابين ، روى عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته ، فقال : كنت شرطيا ، ثم إني اشتريت جارية نفيسة ، ووقعت مني أحسن موقع ، وولدت مني بنتا ، فشغفت بها ، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا ، وألفتني وألفتها ، فلما تمت لها سنتان ماتت ، فأكمدني حزنها ، فلما كانت ليلة النصف من شعبان ، وكانت ليلة جمعة رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت ، ونفخ في الصور ، وبعث من في القبور ، وحشر الخلائق وأنا معهم ، فسمعت حسا ، فالتفت فإذا أنا بتنين عظيم ، أسود أزرق ، قد فتح فاه مسرعا نحوي ، فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا ، فمررت في طريق شيخ / نقي الثياب ، طيب الرائحة ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، فقلت 8ب أيها الشيخ أجرني من هذا التنين ، أجارك الله ، فبكى ، فقال ، أنا ضعيف ، وهذا أقوى مني ، فمر وأسرع ، فلعل الله أن يقيض لك من ينجيك منه ، فوليت هاربا على وجهي ، فصعدت على شرف من شرف القيامة ، فأشرفت على طبقات النيران ، فكدت أهوي فيها من فزعي ، فصاح صائح : ارجع فلست من أهلها ، فاطمأننت إلى قوله ، ورجعت ، ورجع التنين في طلبي ، فرأيت الشيخ ، فقلت : يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين ، فلم تفعل ، فبكى الشيخ وقال : أنا ضعيف ، ولكن سر إلى هذا الجبل لأن فيه ودائع المسلمين ، فإن كان لك فيه وديعة فتنصرك ، قال : ونظرت إلى جبل مستدير من فضة ، فيه طاقات مخرقة ، وستور معلقة ، وعلى كل طاقة مصارع من الذهب الأحمر مفضضة بالياقوت ، مكنوفة بالدر ، على كل مصراع ستر من الحرير ، فلما نظرت إلى الجبل هرولت إليه ، والتنين من ورائي ، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة : ارفعوا الستور ، وافتحوا المصارع ، وأشرفوا ، فلعل لهذا اليائس بينكم وديعة تجيره من عدوه ، فلما افتتحت المصارع ، وأشرفوا علي ، فرأيت الأطفال كالأقمار ، وقرب التنين مني ، فحرت في أمري ، فصاح بعض الأطفال : ويحكم / أشرفوا كلكم ، فقد قرب منه عدوه ، فأشرفوا فوجا بعد فوج ، فإذا 9أ بابنتي التي ماتت قد نظرت إلي ، وقالت : أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم صارت عندي ، ومدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى ، فتعلقت بي ، ومدت يدها اليمنى إلى التنين ، فولى هاربا ، ثم أجلستني ، وقعدت في حجري ، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي ، وقالت : يا أبتي [ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله] (¬1) فبكيت ، وقلت : يا بنتي ، وأنتم تعرفون القرآن ، فقالت : يا أبت ، ونحن أعرف به منكم ، قلت : أخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني ، قالت : ذلك عملك السيئ قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم ، قلت : والشيخ الذي رأيته ، قالت : ذلك عملك الصالح ، ضعفته حتى لم يكن له طاقة لعملك السيء ، فقلت : يا بنتي ، ما تصنعون في هذا الجبل ؟ قالت : أطفال المسلمين سكنوا فيه إلى يوم القيامة ، ننظركم تقدموا علينا ، فنشفع لكم ، قال مالك بن دينار : فانتبهت فزعا مرعوبا ، فكسرت آلات المخالفة ، ونزلت على جميع ذلك ، وعقدت التوبة مع الله عز وجل نصوحا ، فتاب علي سبحانه وتعالى انتهى .
صفحة ١٥
فالعمل إلى الجنة يسير ، لكن أين العامل ، وثمنه شيء قليل ، لكن أين / الباذل ، فمن أقام الفرائض ، وتقرب إلى الله تعالى بالنوافل ، واجتهد في9ب الأوقات الفواضل ، وآثر رضا الله على هوى نفسه فاز بعظيم أنسه ، في حضرة قدسه ، في نعيم أبدي ، بهج نضر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذلك ، وأن يسلك بنا أحسن المسالك ، وأن يعتقنا في هذه الليلة من النار ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في دار القرار ، وأن يديم علينا نعمة الإسلام ، وأن يحشرنا في زمرة النبي عليه السلام ، وأن يشغلنا ويستعملنا فيما فيه رضاه ، وأن لا يجعلنا من أهل الكسل والتلاه (¬1) ، بل يجعلنا من أهل كلمة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
وهذا آخر ما جمعه فقير رحمة ربه ، وأحوجهم إلى عفوه من جمع شيخه العلامة الشيخ نجم الدين الغيطي ، سالم بن محمد السنهوري المالكي ، عامله الله بلطفه الخفي ، آمين .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
وصلى الله على سيدا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ،
وكان الفراغ من كتابته يوم الجمعة المباركة ،
ثاني عشر شعبان المعظم ، سنة 1264 ،
غفر الله لكاتبه ومالكه
وقارئه بمنه وكرمه ،
آمين .
صفحة ١٦