المرسل المنقطع
وهناك من أنواع المرسل في هذا الباب مرسل له حكم الاتصال أو موصول الإسناد، فعندما أقول في أحد التعريفات: هو أن يقول التابعي: قال رسول الله، فالتابعي لم يدركه، وعلى هذا يكون فيه انقطاع، والانقطاع هنا يمكن أن يكون الساقط واحدًا أو اثنين أو أكثر، كرواية الأقران بعضهم عن بعض، وهذا النوع نسميه: الحديث المدبج، والحديث المدبج: هو أن يروي الأقران بعضهم عن بعض، كأن يروي تابعي عن تابعي عن تابعي عن تابعي ثم عن الصحابة، فالأربعة التابعيون لما رووا الحديث بعضهم عن بعض لو حذف ثلاثة تابعيون وذكر الصحابي ستقول: هذا التابعي روى عن ذلك الصحابي، لكن في الحقيقة بينه وبين ذلك الصحابي في هذا الحديث على وجه الخصوص ثلاثة، فهو لم يسمع منه مباشرة، وإنما سمعه من واحد وهو سمعه من ثانٍ وهو سمعه من ثالث، ثم بعد ذلك هذا الثالث سمعه من الصحابي.
فهذه أحد صور المرسل: أن يروي التابعي الحديث عن رسول الله ﷺ دون أن يقيده بالذي سمع منه ذلك الحديث، فأنا أقول: إن هذا الإسناد ضعيف؛ للانقطاع.
لكن عندنا نوع من المرسل أيضًا سأسميه حديثًا مرسلًا وإسنادًا مرسلًا، لكنه موصول، وله حكم صحة السند إلى المرسِل.
فالمرسل نوعان: النوع الأول: أن يكون المرسل منقطعًا من بعد التابعي، كأن يقول التابعي: قال رسول الله ﷺ، وفي هذه الحالة الإسناد هذا منقطع، وهذا أحد أنواع المرسل، وحكمه الضعف، ضعف بسبب الانقطاع والسقط من الإسناد؛ لأنه ليس هناك يقين بأن الساقط صحابي، مع أنه يمكن أن يكون الساقط صحابيًا وأن يكون تابعيًا، والتابعي هذا تجري عليه أحكام الجرح والتعديل، فيمكن أن يكون ثقة ويمكن أن يكون غير ثقة، ففي هذه الحالة الجهل بحال الساقط يجعلني أرد الحديث؛ لأن حكم الساقط لا أعرفه، هل هو ثقة أم غير ثقة؟ ولست متأكدًا من أن الساقط صحابي فقط؛ لأنه يمكن أن تكون الرواية عن الأقران.
إذًا: التابعي يمكن أن يروي عن تابعي، ويمكن أن يروي عن صحابي، فإذا روى حديثًا وقال فيه: قال رسول الله ﷺ؛ فأنا في هذه الحالة لا أدري: هل هو حمل هذا الحديث عن الصحابي أم عن تابعي مثله؟ وهل التابعي أخذه عن الصحابي، فأنا لا أعرف في هذه الحالة هل الساقط في هذا الإسناد صحابي وتابعي، أم صحابي فقط؟ فلو تأكدت أن الساقط صحابي فقط فالحديث صحيح؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فإذا كان الساقط صحابيًا يقينًا فيقبل هذا الحديث مطلقًا؛ للحكم العام على الصحابة بأنهم جميعًا عدول.
لكن أنا لست متأكدًا أن هذا الساقط هو صحابي، فيمكن أن يكون صحابيًا وبجانبه تابعي، والتابعي هذا يمكن أن يكون ثقة ويمكن أن يكون غير ثقة، وأنا في هذه الحالة لا أعرف حكم ذلك التابعي، ولا أعرف إذا كان الساقط تابعيًا وصحابيًا، أم صحابيًا فقط، أم مجموعة تابعيين وصحابي، أم غير ذلك، فلما خفي علي عين الساقط توقفت في قبول الحديث؛ لجهالة عين الراوي الساقط من الإسناد، فلما خفي علي عين الراوي الذي سقط وأنا لست متأكدًا من هو: هل هو صحابي أم تابعي، توقفت في الحديث؛ لأنه قد يكون تابعيًا، ويمكن أن يكون تابعيًا ضعيفًا، فأنا ابتداءً لم أعرف من الذي سقط، عين ذلك الشخص لا أعرفه؛ فبالتالي: الذي لا أعرف عينه لا أعرف حاله، توثيقًا أو تجريحًا أو تعديلًا.
فلما كان الأمر كذلك وجب رد هذه الرواية؛ لأنها أتتني من طريق منقطع أنا لا أعلم حال الساقط في هذا الإسناد.
هذا النوع الأول من الإرسال.
6 / 8