شرح مقدمة التفسير لابن تيمية - العثيمين
الناشر
دار الوطن
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
يسمع منه؛ من تابعي أو صحابي، فالمرسل: هو ما رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلي الله عليه وسلم، فلو روى محمد بن أبي بكر حديثًا عن النبي صلي الله عليه وسلم سميناه مرسلًا، لأنه لم يسمع منه قطعًا، فمحمد ابن أبي بكر ولد في عام حجة الوداع. ومع ذلك قال أهل العلم: إن مراسيل الصحابة حجة، وأما مرسل التابعي فالتابعون يختلفون فمنهم من يقبل مرسله، ومنهم من لا يقبل، فالذين تتبعوا وعرف أنهم لا يرسلون إلا عن صحابي مثل سعيد بن المسيب، فإنه قد قيل إنه لا يرسل إلا عن أبي هريرة فيكون مرسله صحيحًا، والذين ليسوا على هذه الحال ينظر في المرسل نفسه، إذا تعددت طرقه وتلقته الأمة بالقبول فإنه يكون صحيحًا ومثال ذلك حديث عمرو بن حزم، أن النبي ﷺ كتب إلي أهل اليمن كتابًا فيه ذكر الديات والزكاة، ومنه «وأن لا يمس القرآن إلا طاهر (١») .
* * *
فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات وقد علم أن المخبرين لهم يتواطؤوا على اختلافه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقًا بلا قصد، علم أنه صحيح، مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل القوال والأفعال، فيعلم قطعًا أن تلك الواقعة حق في الجملة، فإنه لو كان كل منهما كذب بها عمدًا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه،
_________
(١) رواه مالك في الموطأ (١٩٩/١)
1 / 74