الإيمان بالقدر
إن الله ﷿ قدر مقادير الخلائق، فالناس يشتغلون في أمر مقدر، وليس عملهم في شيء لم يسبق له تقدير، بل إن كل شيء قد سبق به القضاء والقدر، قال الله ﷿: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:٤٩]، وقال: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد:٢٢]، وقال ﵊: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس) أي: حتى نشاط النشيط وخمول الخامل، وكسل الكسول، فكل شيء مقدر حتى العجز والكيس، وقال الله ﷿: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة:٥١]، وقال ﵊ في وصيته لـ ابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وهذا الحديث من أحاديث (الأربعين النووية)، وهو الحديث التاسع عشر، وهو وصية النبي ﷺ لـ ابن عباس، فقد سبق القدر بكل ما هو كائن، والصحابة ﵃ وأرضاهم لما سألوا الرسول ﷺ عن العمل فأخبرهم أن كل شيء بقدر قالوا: (ألا نتكل على كتابنا وندع العمل؟!) أي: ما دام أنه قد سبق القضاء والقدر، وأن كل سيصير إلى ما قدر له: ألا نتكل على كتابنا؟! فقال ﷺ: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة.
وقد بيّن الله تعالى طريق الخير من الشر، وأعطى الناس عقولًا يميزون بها بين ما ينفع وما يضر، وأنهم إن سلكوا الطريق الذي فيه السلامة سلموا، وإن سلكوا الطريق الذي فيه الشقاوة فإنهم يشقون، وتكون تلك الشقاوة قد حصلت بمشيئتهم وإرادتهم التابعة لمشيئة الله وإرادته.
5 / 12