47

شرح منظومة الإيمان

تصانيف

فانظر يا أخا السنة إلى هذه النقول الواضحة الجلية، والبراهين الدامغة القوية، والإجماعات القاطعة السَّنِيَّة، ثم اعجب من كثرة الجاهلين والمتجاهلين، واسلُك سبيلَ الحق الأبلجِ ولا يضرَّنك قلةُ السالكين. واعلم أن هذه المسألة فيصل بين أهل السنة وبين طوائف المرجئة القائلين بأن تارك جنس العمل ناقص الإيمان لا كافر. وقولهم هذا "من أشد ثمرات ابتداعهم خطورة بين المجتمع المسلم، بل هو مِعولُ هدم للأحكام الشرعية، والمبادئ الخلقية التي بني عليها الجيل الأول" (١) . فإن قال قائل من المنافحين عن عقيدة الإرجاء – وما أكثرهم في هذه الأعصار -: سلَّمْنا أن تارك جنس العمل كافر، ولكن العمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح كما هو معلوم، فلنا أن نفترض شخصا قد أتى بعمل القلب كاملا، ولم يأت من أعمال الجوارح بشيء، فليس كافرا لأنه ليس تاركا لجنس العمل، مع كونه تاركا للأعمال الظاهرة مطلقا؟ والجواب أن هذا الفرض ممتنع، بل هو من أمحل المحال. قال ابن تيمية ﵀: " وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات.." (٢) . وقال أيضا: " وإنما قال الأئمة بكُفر هذا لأن هذا فرضُ ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا مما أمر به من الصلاة والزكاة والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء إلى غير القبلة ونكاح الأمهات، وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه" (٣) . وقال ابن القيم ﵀: " من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية" (٤) .

(١) - حقيقة الخلاف: ٤٥. (٢) - مجموع الفتاوى: ٧/٦٢١. (٣) - مجموع الفتاوى: ٧/٢١٨. (٤) - رسالة الصلاة: ١/٦١.

1 / 51