شرح كتاب الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق لابن تيمية - محمد حسن عبد الغفار
تصانيف
التوسل بذات الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله
والتوسل المشروع على أربعة أنواع: الأول: التوسل بذات الله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله.
فأما التوسل بأسماء الله تعالى، فقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف:١٨٠]، أي: اتخذوها وسيلة.
وقال جل في علاه: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:١١٠].
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه كان يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، وكان ﵊ يقول: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فكان يتوسل بأسماء الله تعالى.
ومنه: (وأعوذ بعزتك أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون).
و(مر النبي ﷺ على رجل يدعو في المسجد ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقال النبي ﷺ: قد سأل باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب) فهذا توسل بأسماء الله تعالى وهذا لا يصل إليه إلا الفقيه المتدبر الذي اعتقد اعتقادًا صحيحًا في ربه.
والمسلم إذا أراد أن يسأل الله ويتوسل بأسمائه فليأت بالاسم المناسب في المقام الذي يريده، فمثلًا: إذا أرا أن يطلب من الله الرحمة، فلا يقل: يا عزيز! يا جبار! يا منتقم! ارحمني، لأن هذا سوء أدب مع الله، لأن الجبار يناسبه أن ينتقم، لا أن يرحم، فهو قد وضع اسم الله في غير موضعه، لذا فمن الآداب التي لا بد أن يراعيها العبد وهو يتعبد لله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى توسلًا: أن يأتي بالاسم الذي يوافق المقام.
وكذلك إن أراد الرزق فلا يقل: يا مانع ارزقني، وإنما ليقل: يا رزاق ارزقني.
وإن أراد النصر فيكون أنسب ما يقول: إنك نِعم المولى ونعم النصير.
وإن أراد الموت قال: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:١٠١].
وقد علم النبي ﷺ أبا بكر ﵁ أن يتوسل باسم من أسماء الله في مقام مناسب، وذلك في آخر الصلاة بقوله: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).
إذًا: عند التوسل بأسماء الله جل في علاه تأتي بالاسم المناسب للمقام الذي تدعو له وتتوسل به.
وأما التوسل بصفات الله جل في علاه، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يتوسل بصفات الله جل وعلا فيقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فهنا النبي ﷺ توسل بصفة من صفات الله الفعلية، وهي: الكلام.
وأما التوسل بصفات الله تعالى الذاتية، فكأن يتوسل العبد بالرحمة فهي صفة ذاتية، لكن أصرح من ذلك قول النبي ﷺ: (أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد وأحاذر) فالصفة الذاتية هنا: العزة والقدرة والسلطان، وكلها صفات ذاتية لا تنفك عن الله جل في علاه.
وأما التوسل بأفعال الله تعالى، فمعناها: أن ينظر النبي ﷺ، أو ينظر الصحابي، أو ينظر المؤمن التقي في فعل من أفعال الله في أمة من الأمم فيقول: يا رب كما فعلت كذا فافعل بي، أو كما هديت فلانًا فاهدني أو كما أنعمت على فلان فأنعم علي، أو كما رزقت فلان فارزقني.
وأصرح من ذلك قول النبي ﷺ: (اللهم عليك بهم اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) أي: اللهم ابتلى قريشًا بسنين كسني يوسف، لأنهم جحدوا وكفروا، فكان كل واحد منهم ينظر إلى الميتة فيطعمها من البلاء والجوع.
ومنه قوله ﷺ: (اللهم انصرنا كما نصرتنا على الأحزاب).
وأفعال الله تعالى لا تنتهي بحال من الأحوال.
3 / 5