إثبات الأصابع لله ﷿
إن لله سبحانه أصابع، ولا يقال: إن هذه الأصابع ليس لها كيفية، بل لها كيفية يعلمها الله، وأما نحن فلا نعلمها، والأصابع معلومة في اللغة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعه، والحديث ظاهر جلي كالشمس في الأفق وإن شغب المشاغبون والجهلة المبتدعون عليه، ففي الصحيحين: أنه دخل حبر من أحبار اليهود على النبي ﷺ فقال: (يا محمد! إن الله جل وعلا يحمل الأراضين على ذه، والجبال على ذه، والشجر على ذه، والماء على ذه -وفي رواية: الخلق على ذه- والثرى على ذه)، وفي رواية: (أنه ﷺ كان يقبض ويبسط يده)، وهذه الطريقة تصح في التعليم، فقد روي عن ابن عمر أن النبي ﷺ لما بين أن الله جل وعلا يقبض السماوات بيمينه كان يقبض ويبسط يده، وقال: (يهزهن ثم يقول: أنا الرحمن أين المتكبرون؟ أنا الجبار أين الجبارون؟)، ثم قال: فمن شدة تأثر النبي ﷺ وهو يبين ذلك ويقبض ويبسط يده ﷺ كاد المنبر أن يسقط.
فلما أخبر ذلك الخبر أن الله يحمل الشجر على ذه، والماء على ذه، والثرى على ذه، والخلق على ذه، ضحك النبي ﷺ مقرًا فهم هذا الحبر على أن الله جل وعلا يحمل كل هذه على أصابعه، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر:٦٧]، فهذا فيه دلالة واضحة على إقرار النبي ﷺ على أن لله أصابع، وأقر فهم الحبر اليهودي وهو مع ذلك ليس مؤمنًا.
ولكن المخالفين المشاغبين قالوا: اليهود مجسمة، وقد ضحك النبي ﷺ منكرًا على ذلك الحبر، وهذا تناقض لا يقبله عقل؛ لأن النبي ﷺ لا يمكن أن يضلل أصحابه؛ لأنهم عندما يرون النبي ﷺ يضحك لقول الحبر، لن يقولوا: إنه إنكار وإنما سيقولون: هذا إقرار، ومن قال بأن ضحك النبي ﷺ كان إنكارًا فقد طعن في فهم صحابة رسول الله ﷺ.
فالصحيح الراجح أن النبي ﷺ أقر الحبر على ما قال، وضحك مقرًا فهم الحبر على أن لله أصابع.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) وكان النبي ﷺ كثيرًا ما يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) فإذا اعتقد المرء أن الله جل وعلا يقلب قلب العبد بين إصبعيه إن شاء هداه وإن شاء أضله فإن ذلك يجعله يفتقر ويذل إلى ربه في كل لحظة من حياته، ويضع التراب على رأسه، ويسجد لله باكيًا؛ حتى لا يصرف الله قلبه، فإنه لا يحول بين الله وبين عباده أحد، والعبد إذا ابتعد أبعده الله، ومن سقط من عين الله فلا راد له، فإذا علم العبد يقينًا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن جل وعلا إن شاء أضله وجعله من أكبر الكافرين، وإن شاء هداه وجعله من أعبد العباد في الأرض، فإنه لابد أن يكون فقيرًا إلى الله جل وعلا ليل نهار، وإن كنا نغفل عن هذا الأمر في بعض الأوقات، لكن رحمة الله جل وعلا واسعة، فسأله ألا يتركنا لأنفسنا قط، وإذا اعتقدنا بأن قلوبنا بيد الله جل وعلا فإنا سنطمع أن الله يثبتنا على الحق، فإنه سبحانه إذا أراد بقوم فتنة فلا عاصم لهم منها.
13 / 8