زيادة الإيمان ودلائلها
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الزيادة في الإيمان والانتقاص منه: قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال: قال معاذ بن جبل لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة.
يعني: نذكر الله.
وبهذا القول كان يأخذ سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، يرون أعمال البر جميعًا من الازدياد في الإسلام؛ لأنها كلها عندهم منه وحجتهم في ذلك: ما وصف الله به المؤمنين في خمسة مواضع من كتابه، منها قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:١٧٣]، وقوله: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر:٣١] وقوله: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:٤]، وموضعان آخران قد ذكرناهما في الباب الأول، فاتبع أهل السنة هذه الآيات وتأولوها أن الزيادات هي الأعمال الزاكية].
هذا الباب ذكر فيه المؤلف ﵀ النصوص والآثار التي تدل على زيادة الإيمان ونقصانه، وعلق عليها بما يدل على وضوحها وصراحتها في زيادة الإيمان ونقصانه، فقال: [باب الزيادة في الإيمان والانتقاص منه].
ثم ذكر سنده إلى معاذ بن جبل ﵁ أنه قال: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني: نذكر الله، ومعنى: (نؤمن) يزداد إيماننا، وإلا فهم مؤمنون، فقوله: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني: نذكر الله، فإذا ذكروا الله زاد إيمانهم، فالمؤمن إذا عمل الطاعات زاد إيمانه، وإذا عمل المعاصي نقص إيمانه، وكل شيء يزيد فهو ينقص، فالمؤمن إذا ذكر الله وتلا القرآن أو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر أو دعا إلى الله وصلى وصام وزكى وحج وجاهد في سبيل الله وأحسن إلى الناس وامتنع عن المحرمات طاعة لله ولرسوله؛ فإنه يزيد إيمانه، وإذا فعل المعاصي نقص إيمانه، ولهذا قال معاذ ﵁ لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني: نذكر الله فيزداد إيماننا بذكر الله ﷿.
ثم ذكر المؤلف ﵀ أنه وبهذا القول -أي: القول بزيادة الإيمان ونقصانه- كان يأخذ سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس وغيرهم من أهل العلم، وهذا قول جميع الصحابة التابعين والأئمة والعلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعامر الشعبي وغيرهم من أهل العلم وأهل الحديث، كلهم يقولون بهذا القول، وهو أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويرون أن أعمال البر جميعًا من زيادة الإسلام، أي: من الزيادة في الإسلام والإيمان؛ لأنها كلها عندهم منه، فأعمال البر من الصلاة والصوم والصدقة والحج وبر الوالدين وصلة الرحم والإحسان إلى الناس وبذل المعروف وكف الأذى والبعد عن المحرمات كلها تسمى برًا وتقوى وإيمانًا، فهي إيمان وإسلام وبر وتقوى، وبهذا القول كان يأخذ سفيان والأوزاعي ومالك ومن بعدهم، فمثل لكل طبقة بواحد.
ثم قال المؤلف ﵀: [وحجتهم في ذلك ما وصف الله به المؤمنين في خمسة مواضع من كتابه] يعني: وصفهم بزيادة الإيمان، ومنها قول الله ﷿: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:١٧٣]، وقوله ﷿: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر:٣١]، فقوله: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ دليل صريح واضح على أن الإيمان يزيد، وقوله ﷿: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:٤] صريح بزيادة الإيمان، وكل شيء يزيد فهو ينقص، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وقول المؤلف ﵀: [وموضعان آخران قد ذكرناهما في الباب الأول] هذان الموضعان أحدهما في سورة التوبة، وهو قول الله ﷿: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة:١٢٤]، والثاني في سورة الأنفال في قول الله ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:٢]، فهذه خمسة مواضع في كتاب الله ﷿ تدل على زيادة الإيمان.
وإذا كان الإيمان يزيد فهو ينقص.
قال المؤلف ﵀: [فاتبع أهل السنة هذه الآيات وتأولوها أن الزيادات هي الأعمال الزاكية]، فأهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة والعلماء كلهم عملوا بهذه الآيات واتبعوها، وقرروا أن الإيمان يزيد وينقص، خلافًا للمرجئة الذين يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، بل هو شيء واحد، وإيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد، فتأول أهل السنة الزيادة بأنها زيادة الأعمال الزاكية من أعمال البر والتقوى والواجبات والفرائض والمستحبات.
7 / 2