عجز البشر عن تغيير ما في القدر
قال المصنف ﵀: (فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنًا لم يقدروا عليه، جفَّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة).
وهذا كلام جيد، وهو في الجملة وصية الرسول ﵊ لـ ابن عباس ﵄ الثابتة في المسند والسنن في قوله: (احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
قال: (وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه)، أي: فإن كل شيء بقدر الله ﷾.
قال المصنف ﵀: [وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديرًا محكمًا مبرمًا، ليس فيه ناقض، ولا معقب، ولا مزيل، ولا مغير، ولا ناقص، ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال تعالى في كتابه: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:٢]، وقال تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب:٣٨]، فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيمًا، وأحضر للنظر فيه قلبًا سقيمًا، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرًا كتيمًا، وعاد بما قال فيه أفاكًا أثيمًا].
أي: أن الله ﷿ علم ما سيكون، وهذا عام في أفعال العباد وغير أفعال العباد، وتقدم أن إنكار هذه الجملة كفر وإلحاد مبين.
ومما ينبه إليه أن الشارح ﵀ في كلامه عن بعض مسائل التكفير أراد أن يبيِّن أن السلف قد يقولون عن قول: إنه كفر ولا يلتزمون تكفير القائل إلا إذا علموا أن الحجة قد قامت عليه بعينه، وهذا المعنى من حيث الجملة حسن وصحيح، لكنه ضرب أمثلة في مقالات السلف، قال: (كقولهم: إن القول بخلق القرآن كفر، وإن إنكار الرؤية كفر، وإن إنكار علم الله بما سيكون كفر)، ولا شك أن هذه الأمثلة الثلاثة ليست حسنة على هذا الحال من الاجتماع.
فأما القول بخلق القرآن فهو كذلك، فهو وإن كان كفرًا إلا أن قائله لا يُكفَّر ابتداءً، وكذلك من أنكر الرؤية فإنه لا يكفر ابتداءً، وأما من أنكر علم الله بما سيكون، وقال: إنه لا يعلم الأشياء سواء كانت أفعال العباد أو غير أفعال العباد إلا بعد كونها، فهذا لا يُنظر فيه، ولا شك أنه كافر، بل كفره أعظم من كفر أبي جهل.
وقوله: (فقدر ذلك تقديرًا محكمًا مبرمًا ..
إلخ).
فإن القدر كما قال ابن عباس ﵄ وهذا مما صح عنه: (القدر نظام التوحيد) فالقدر من أخص أصول الإيمان بالله ﷾ كما ذكر ذلك الرسول ﷺ في جوابه.
وقدره سبحانه متعلق بخلقه ومتعلق بأمره، كما قال سبحانه ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف:٥٤].
وأول من خاصم ربه في القدر هو إبليس فإنه قال: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر:٣٩] فجعل ما حصل من القدر في حقه مخاصمة له ﷾.
14 / 9