شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه
الناشر
دار المنهاج
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية - جدة
تصانيف
شرح سنن ابن ماجة
المسمى مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى
جمع وتأليف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الأثيوبي الهرري الكري البويطي
نزيل مكة المكرمة والمجاور بها والمدرس في دار الحديث الخيرية
مراجعة لجنة من العلماء
برئاسة
الأستاذ الدكتور هاشم محمد علي حسين مهدي
المستشار برابطة العالم الإسلامي سابقا - مكة المكرمة
[المجلد الأول]
المقدمة
صفحة غير معروفة
دَار طوق النجَاة
لبنان - بيروت - فاكس: ٧٨٦٢٣٠
ص. ب: ٥٥٧٤/ ١٣/ بيروت
دَار الْمِنْهَاج
المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - جدة
هَاتِف: ٦٣٢٦٦٦٦ - فاكس: ٦٣٢٠٣٩٢
الطَّبْعَةُ الأولى
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة
لَا يسمح بِإِعَادَة نشر هَذَا الْكتاب أَو أَي جُزْء مِنْهُ، وبأيِّ شكل من الأشكال، أَو نسخه، أَو حفظه فِي أَي نظام إلكتروني أَو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الْكتاب أَو أَي جُزْء مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَا يسمح بالاقتباس مِنْهُ أَو تَرْجَمته إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبقًا.
الرقم المعياري الدولي
٨ - ٢٠ - ٥٠٣ - ٩٩٣٣ - ٩٧٨: ISBN
www.alminhaj.com
E- Mail: info@alminhaj.com
1 / 2
شرح سنَن ابْن مَاجَه
[١]
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
الموزعون المعتمدون داخل المملكة العربية السعودية
• جدة
مكتبة دار كنوز المعرفة
هاتف ٦٥٧٠٦٢٨ - ٦٥١٠٤٢١
• مكة المكرمة - مكتبة الأسدي
هاتف ٥٥٧٠٥٠٦ - ٥٢٧٣٠٣٧
• مكة المكرمة - مكتبة نزار الباز
هاتف ٥٤٧٣٨٣٨ - فاكس ٥٤٧٣٩٣٩
• المدينة المنورة - دار البدوي
هاتف ٠٥٠٣٠٠٠٢٤٠
• المدينة المنورة - مكتبة الزمان
هاتف ٨٣٦٦٦٦٦ - فاكس ٨٣٨٣٢٢٦
• الرياض - مكتبة جرير
وجميع فروعها داخل المملكة وخارجها
هاتف ٤٦٢٦٠٠٠ - فاكس ٤٦٥٦٣٦٣
• الرياض - مكتبة العبيكان
وجميع فروعها داخل المملكة
هاتف ٤٦٥٤٤٢٤ - فاكس ٢٠١١٩١٣
• الرياض - دار التدمرية
هاتف ٤٩٢٤٧٠٦ - فاكس ٤٩٣٧١٣٠
• الدمام - مكتبة التنبي
هاتف ٨٣٤٤٩٤٦ - فاكس ٨٤٣٢٧٩٤
• الطائف - مكتبة أم هاني
هاتف ٧٣٢٠٨٠٩
• عرعر - مكتبة المتنبي العلمية
هاتف ٦٦٢٨٥٨٦
1 / 5
الموزعون المعتمدون داخل المملكة العربية السعودية
• الجمهورية اليمنية - مكتبة تريم الحديثة - حضر موت
هاتف ٤١٧١٣٠ - فاكس ٤١٨١٣٠
• دولة قطر - مكتبة الثقافة - الدوحة
هاتف ٤٤٤٢١١٣٢ - فاكس ٤٤٤٢١١٣١
• جمهورية مصر العربية - دار السلام - القاهرة
هاتف ٢٢٧٤١٥٧٨ - فاكس ٢٢٧٤١٧٥٠
• مكتبة نزار الباز - القاهرة
هاتف ٢٥٠٦٠٨٢٢ - جوال ٠١٢٢١٠٧٢٥٣
• الإمارات العربية المتحدة - حروف للنشر والتوزيع - أبو ظبي
هاتف ٥٥٩٣٠٠٧ - فاكس ٥٥٩٣٠٢٧
• مكتبة البخاري - دبي
هاتف ٢٩٧٧٧٦٦ - فاكس ٢٩٧٥٥٥٦
• دولة الكويت مكتبة دار البيان - حَوَلي
تلفاكس ٢٢٦١٦٤٩٠ - جوال ٩٩٥٢١٠٠١
• دار الضياء للنشر والتوزيع - حَوَلي
هاتف ٢٢٦٥٨١٨٠ - فاكس ٢٢٦٥٨١٨٠
• المملكة المغربية
هاتف ٠٥٣٧٧٢٣٢٧٦ - فاكس ٠٥٣٧٢٠٠٠٥٥
• الدار العالمية - الدار البيضاء
هاتف ٠٥٢٢٨٢٨٨٢ - فاكس ٠٥٢٢٨٣٣٥٤
• مملكة البحرين - مكتبة الفاروق - المنامة
هاتف ١٧٢٧٢٢٠٤ - فاكس ١٧٢٥٦٩٣٦
• مكتبة الريان - المنامة
هاتف ٠٠٩٧٣٣٩٢٤٧٧٥٩
• الجمهورية اللبنانية - الدار العربية للعلوم - بيروت
هاتف ٧٨٥١٠٧ - فاكس ٧٨٦٢٣٠
• مكتبة التمام - بيروت
هاتف ٧٠٧٠٣٩ - جوال ٠٣٦٦٢٧٨٣
• المملكة الأردنية الهاشمية - دار محمد دنديس - عمّان
هاتف ٤٦٥٣٣٩٠ - فاكس ٤٦٥٣٣٨٠
• الجمهورية العربية السورية - مكتبة المنهاج القويم - دمشق
هاتف ٢٢٣٥٤٠٢ - فاكس ٢٢٤٢٣٤٠
• جمهورية العراق - مكتبة دار الميثاق - الموصل
هاتف ٧٧٠٤١١٦١٧٧ - فاكس ٧٤٨١٧٣٢٠١٦
• جمهورية الجزائر - دار البصائر - الجزائر
هاتف ٠٢١٧٧٣٦٢٧ - فاكس ٠٢١٧٧٣٦٢٥
1 / 6
• جمهورية الصومال - مكتبة دار الزاهر - مقديشو
هاتف ٠٠٢٥٢٥٩١١٣١٠
• جمهورية تشاد - مكتبة الشيخ التيجاني - أنجامينا
هاتف ٠٠٢٣٥٩٩٩٧٨٠٣٦
• جمهورية أندونيسيا - دار العلوم الإسلامية - سوروبايا
هاتف ٠٠٦٢٣١٣٥٢٢٩٧١
جوال ٠٠٦٢٣١٦٠٢٢٢٠٢٠
• ماليزيا - مكتبة توء كنالي - كوالا لمبور
هاتف ٠٠٦٠١١١٥٧٢٦٨٣٠
• جمهورية داغستان - مكتبة دار الرسالة - محج قلعة
هاتف ٠٠٧٩٢٨٥٧٠٨١٨٨
• مكتبة نور الإسلام - محج قلعة
هاتف ٠٠٧٩٨٨٢١٢٤٠٠١
• الهند - دار الكتاب العربي - كيرلا
هاتف ٠٠٩١٤٨٣٢٧٤٠٠٣
جوال ٠٠٩١٩٩٤٦٤٧٦٧٤٨
• مكتبة الشباب العلمية - لكنهو
هاتف ٠٠٩١٩١٩٨٦٢١٦٧١
• جمهورية جنوب أفريقيا - دار الإمام البخاري
هاتف ٠٠٢٧١١٤٢١٠٨٢٤
• الجمهورية التركية - مكتبة الإرشاد - إستانبول
هاتف ٠٢١٢٦٣٨١٦٣٣ - فاكس ٠٢١٢٦٣٨١٧٠٠
• جمهورية فرنسا - مكتبة سنا - باريس
هاتف ٠١٤٨٠٥٢٩٢٨ - فاكس ٠١٤٨٠٥٢٩٩٧
• إنكلترا - دار مكة العالمية - برمنجهام
هاتف ٠١٢١٧٧٣٩٣٠٩ - جوال ٠٧٥٣٣١٧٧٣٤٥
فاكس ٠١٢١٧٧٢٣٦٠٠
• الولايات المتحدة الأمريكية - مكتبة الإمام الشافعي - جورجيا
هاتف ٠٠١٧٠٣٦٧٢٣٦٥٣
• أستراليا - المكتبة الإسلامية
هاتف ٠٠٦١٢٩٧٥٨٤٠٤٠
فيرجن وفروعها في العالم العربي جميع إصداراتنا متوافرة على
نيل وفرات. كوم
موقع مكتبة نيل وفرات. كوم لتجارة الكتب
www.nwf.com
وموقع فرات
موقع رائد لتجارة الكتب والبرمجيات العربية
www.furat.com
1 / 7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
1 / 9
بين يدي الكتاب
بقلم الأستاذ الدكتور هاشم محمد علي حسين مهدي
الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وأكرم سيدنا محمدًا ﷺ بشرف الخطاب، فكان خاتم المرسلين، وإمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، الموكل إليه بالبيان والتبيين.
وحمى هذا الدِّين بصحابةٍ كرام، حملوا الأمانة وبلَّغوها للأنام، ثم بمن تبعهم وسار على إثرهم ولم يَحِدْ عن نهج الإسلام، فردَّ الله كيد الكائدين، ومكر الماكرين الذين كادوا لهذا الدين، وأبى الله إلا أن يتمُّ الأمر للموحدين، فله الحمد في الأولى والآخرة وهو يتولى الصالحين.
وبعد:
فلقد حفظ الحق سبحانه القرآن الكريم من التحريف، والتغيير والتبديل والتزييف، وكان يقتضي هذا حفظ السنة النبوية؛ لأنها شارحة للقرآن، مبينة للأحكام.
ولقد حث النبي ﷺ جميع الأمة على تبليغ أحاديثه وسنته فقال: "بلِّغوا عني ولو آية" وفي هذا الحديث اللطيف: تكليف وتشريف وتخفيف، ودعا ﷺ لحامل سنته، ومبلغ شريعته بنضارة الوجه، فقال ﷺ: "نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فربَّ مبلغٍ أوعى من سامع".
1 / 11
وسمى من يبلِّغ السنة النبوية خليفةً له ﷺ؛ حيث خصَّهم بالدعاء فقال: "اللهم؛ ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنتي، ويعلمونها الناس".
فشمر الأئمة عن سواعدهم، وسابقوا الزمن لجمع سنته المطهرة، وألهمهم الله تعالى لإخراج فنٍّ وعلمٍ أظهر فضل الأمة - وهو علم الحديث رواية ودراية - فجمعوا الأحاديث الواردة، وبحثوا في أحوال رجال أسانيدها، ثم صنَّفوها وبيَّنوا مراتبها؛ من حيث الصحة والحسن والضعف، كما هو مبيَّن في كتب علماء الحديث.
فكان من أفضل ما أُلِّف في هذا الفن: "صحيح الإمام البخاري"، و"صحيح الإمام مسلم"، و"سنن الإمام أبي داوود"، و"سنن الإمام أبي عيسى الترمذي"، و"سنن الإمام النسائي".
وكان الإمام ابن ماجه القزويني ممَّن حاز قصب السبق، فألف كتابه "السنن" الذي امتاز بحسن التبويب والترتيب، لهذا فهو يعدُّ ركنًا معتمدًا من مصادر السنة النبوية الشريفة، وأصلًا أصيلًا من الكتب الحديثية، وغدا أحد المناهل العذبة كثيرة الزحام، حتى تصدر رحمه الله تعالى بين الستة الأوائل ممن جمع دواوين السنة المطهرة.
وإنما ألحق العلماء هذا الكتاب بالكتب الخمسة؛ لجودة تصنيفه، ورسوخ قدم المؤلف في هذا الفن المبارك، إضافة إلى ما انفرد به من زيادات وروايات لم يشاركه فيها الجماعة، ولوفرة هذه الزيادات وأهميتها في التشريع الإسلامي خُصت بالتأليف استقلالًا؛ ككتاب "مصباح الزجاجة في زوائد سنن ابن ماجه" للحافظ البوصيري رحمه الله تعالى.
ولقد تسابق العلماء الأفذاذ لإخراج مخبَّآت هذا الكتاب الجليل،
1 / 12
وشرحوه وتفنَّنوا في هذا الباب، حتى صار كلُّ شرحٍ يتيه دلالًا مما أُودع فيه من الفوائد الملاح العذاب، وما زالت شروح الأئمة الأعلام تَبرُزُ لأولي العقول والألباب.
كيف لا؛ وهي مواهب الحميد المجيد، التي تتجلَّى للأنام؛ لإظهار ما أكرم الله به أهل الإسلام، وأنه وحيٌ من العليم العلام.
ومع هذا كله؛ لا زالت شروح هذا الكتاب قاصرةً عن شاوه، لم تبرز جميع مكنوناته ولم توقف الناظر على جميع جواهره ودرره، حتى هيَّأ الله ﷾ العلامة المتفنن، الإمام المحدث: محمد الأمين الهرري - حفظه الله تعالى - وخصَّه بهذه المزية، فشرحه شرحًا لم يُسبق إليه، وكما قيل: (مواهب المولى لا تختصُّ بزمنٍ دون زمن).
ورحم الله إمام اللغة العربية أبا عبد الله جمال الدين بن مالك (ت ٦٧٢ هـ) حيث قال في كتاب "التسهيل": (وإذا كانت العلوم مِنَحًا إلهية، ومواهب اختصاصية .. فغير مستبعدٍ أن يدَّخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثيرٍ من المتقدمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ باب الإنصاف، ويصدُّ عن جميل الأوصاف) انتهى.
ولذا قيل: (كم ترك الأول للآخر! !).
وإذا كان كتاب "سنن ابن ماجه" متأخر التاريخ عمَّن سبقه من كتب السنن .. فلقد هيأ الله تعالى له من يشرحه شرحًا متكاملًا في آخر الزمن الذي نعيش فيه، فكان هذا الشرح المبارك، الذي سماه مؤلفه بـ:
"مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى حل وفك معاني ومباني سنن ابن ماجه".
من الشروح المباركة المميزة الذي اجتمع فيه من النفائس والفوائد ما لم يجتمع في شرح قبله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
1 / 13
وما زال هذا الشرح يضيء، وبدقائق العلوم يجيء؛ حتى بدا غرةً على جبهة الزمان، يزهو بحُللٍ فيها من كل الألوان.
فجزى الله تعالى شارحه العالم العلامة، الذي سار على نهج أهل التقوى والاستقامة، فعلَّمه الله كما وعد في كتابه وسدَّد كلامه، وحفظه الله فكان من خَلْفه علامة، وعلى خدِّ الزمان شامة، أرشد الحيارى في دجى هذا الزمان الذي عمَّ ظُلمه وظَلامه، شيخنا المسند الشيخ محمد الأمين بن عبد الله الأثيوبي الهرري نزيل مكة المكرمة، حفظه الله تعالى ورعاه وصان حماه ولنفع الأمة أدامه، حقَّق الله سؤاله، وبلَّغه آماله.
لقد جاء شرحه لهذا السِّفر كالعقد على جيد الحسناء، وكالبدر في ليلةٍ ظلماء، زيَّن به الكتاب، وحلَّى بلطيف عباراته الأبواب، فكان كالدُّرِّ المنظوم، أخرج منه مخبَّآت العلوم، التي غابت عن أهل العقول والفهوم.
شرح مجمله، وفسَّر غامضه، وأوضح مشكله، وأودع فيه الجواهر واللآلِ، والفوائد والمعاني، أبان هذا الشرح عن عِظَم شارحه، ودقَّة عبارته، وغزارة علمه، وعمق فهمه، فأغنى به من بعده، وزاد فيه على من قبله، فأظهر فيه ما خبأ في كتب المتأخرين، وأوضح فيه ما غاب عن أذهان المتقدمين، وضمَّ فيه شمل المتفرق، وهذا في حد ذاته هدف يُؤلِّف من أجله أساطينُ المؤلفين.
فكان بحقٍّ مرشد ذوي الحجا والحاجة لكل طالب ذي حاجة، ففيه من العلوم .. ما يغني أهل الخصوص والعموم، فقد ذكر فيها من علوم العربية والسيرة والتراجم ما يغني الطالب عن الرجوع إلى كتب تلك العلوم، وأوضح فيه بعض عقائد أهل السنَّة، التي أزاحت بنور شمسها عن قلوب ضعفة أهل الإيمان الظلمةَ فيه، والشيخ حفظه الله تعالى يدلي بدلوه، ويرجح في المسائل التي ثار فيها الخلاف، معتمدًا على الأدلة التي يسوقها، وهذا من خصائص هذا الشرح المبارك.
1 / 14
فجزاه الله تعالى خير الجزاء، وكافأه بما كافأ به سلفه من الأئمة المهديين الخلفاء.
هذا، وقد اعتمد المؤلف - حفظه الله تعالى - في شرحه هذا على أفضل النسخ المطبوعة لـ "سنن ابن ماجه"، وهي نسخة جمعية المكنز الإسلامي، والتي تعدُّ أحسن النسخ الموجودة على الإطلاق فيما نعلم؛ فقد اعتمدوا في إخراجه على عشر نسخ خطية نفيسة، اختاروها من بين ثمان وعشرين نسخة، وبعض هذه النسخ في غاية الضبط والإتقان؛ فهي مقروءة على الأئمة الحفاظ وعليها خطوطهم وتقييداتهم وضبطهم، إضافة إلى تصويب الأخطاء والأوهام، سواء في أسماء الرجال أو في المتن.
فنسأل الله أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء على ما بذلوا من جهدٍ لإخراج هذه الدرة النفيسة.
فاعتماد المؤلف على هذه النسخة المحقَّقة التي تطمئن إليها القلوب، وتسكن إليها النفوس .. هو جمعٌ بين الحُسنيينِ معًا، ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعد.
وقد امتاز هذا السِّفْر المبارك بأمورٍ عدة نلمح إلى بعضها إلماحًا:
فقد تصدى لإبراز معاني الأحاديث ومبانيها، وتفصيل أحوال رجال الإسناد فيها، مع ذكرٍ للأحكام الشرعية، والمعاني اللغوية، والفوائد الصرفية، والنكات الحديثية بلغةٍ سهلةٍ ميسَّرة، حتى غدا هذا المؤلَّف مما لا يستغني عنه عالمٌ فضلًا عن طالب علم.
ولقد اعتنى هذا الشرح بدراسة أسانيد ابن ماجه دراسةً وافية، وترجم لكل عَلَمٍ فيها ترجمة موجزة، وبيَّن حال الرواة جرحًا وتعديلًا، وذكر طبقاتهم بإيجازٍ من كتب أهل هذا الشأن.
1 / 15
وشرح الأحاديث والأخبار كلمة كلمة، وبيَّن غريبها، ووضَّح مشكلها، وفصَّل مجملها، واعتنى بفقه الحديث وما يؤخذ منه في الأحكام، مع التحقيق في المسائل الخلافية، وأيَّد ذالك بذكر آراء العلماء وأدلتهم.
واهتم أيضًا بتخريج الأحاديث والشواهد والمتابعات تخريجًا موسَّعًا؛ بذكر من خرجها من الكتب الستة مع ذكر اختلاف الروايات من كتب السنة ومقارنتها برواية ابن ماجه.
ولقد ذيل بعض الأبواب بملحقاتٍ وفوائد وتنبيهات لا يستغني عنها طالب العلم، ولم يَدَعْ شاردةً ولا واردةَ إلا وقيَّد أوابدها، وذلَّل صعبها وبيَّن المراد منها.
حقًّا إن هذا الشرح هو موسوعة علمية جمع بين علم الأوائل والأواخر، لخص فيه كلام الأكابر، وأبرز الغرر البواهر.
فإليكم هذا الشرح الجامع لشروح ابن ماجه السابقة وقد ألَّف بينها، وجمع ما تفرَّق فيها، وقرَّب ما بعُد عن متناول الأيدي ضمن هذا السِّفر المبارك النافع الجامع، حتى غدا مكتبة في كتاب، أجزل الله لمؤلفه الثواب، وأكرمه بجنةٍ مفتحة الأبواب، وأحسن ختامنا أجمعين، وجعلنا من أهل عليين.
ولا ننسى في هذا المقام أن ثلة من محبي الخير ومحبي سنة رسول الله ﷺ الذين لولا توفيق الله تعالى لهم .. لما برز هذا السفر المبارك إلى فضاء الطباعة الرحيب، ولما لاحظته عيون طلبة العلم، فلهم منا جزيل الشكر والدعاء، وإنها لمنقبة تدر ثوابًا جزيلًا لا ينقطع لكل من قرأ هذا الكتاب وانتفع، ونخصهم بدعوة في ظهر الغيب لهم ولذريتهم بأن يغدق الله عليهم النعم، ويقيهم من كل المحن والنقم.
ونثني بالشكر الجزيل للجنة العلمية بالدار التي قامت وأشرفت على تصحيح
1 / 16
ومقابلة ومراجعة هذا الكتاب، وأنفقت أنفس الأوقات في سبيل إبرازه إلى الوجود، فحفظهم الله وبارك في عملهم.
نرجو الله تعالى أن يتقبل منا وأن يحسن لنا الجزاء، كما أحسن الابتداء.
وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النور المبين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
* * *
وأختم بذكر إجازتي في رواية "سنن ابن ماجه"، فأقول وبالله التوفيق:
أروي "سنن ابن ماجه" للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني ﵀ عن الشيخ المحدِّث المسنِد محمد ياسين بن محمد عيسى المكي الفاداني يرحمه الله، عن مشايخه يرحمهم الله أجمعين، عن عمر بن محمد حمدان سماعًا لكثير منه وإجازة لباقيه (٢)، عن شيخه فالح بن محمد الظاهري (٣)، عن محمد بن علي الخطابي السَّنُوسِي (٤)، عن السيد محمد مرتضى الزبيدي (٥)، عن الشمس محمد بن سالم الحِفني (٦)، عن عبد العزيز الزيادي (٧)، عن الشمس محمد بن العلاء البابلي (٨)، عن الشيخ سالم بن محمد السَّنْهَورِي (٩)، عن النجم محمد بن أحمد الغَيْطِي (١٠)، عن القاضي زكرياء بن محمد الأنصاري (١١)، عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (١٢)، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار (١٣)، عن الأنجب بن أبي السعادات الحِمَّاني (١٤)، قال: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي (١٥)، أخبرنا أبو منصور محمد بن الحسين المُقوِّمي (١٦)، أخبرنا أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر الخطيب (١٧)، أخبرنا علي بن إبراهيم بن سلمة القطان (١٨)، أخبرنا مؤلفه الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله الربعي القزويني المعروف بابن ماجه.
1 / 17
فعلى هذا السند يكون بيني وبين المؤلف رحمه الله تعالى ثماني عشرة واسطة.
وقد أجزتُ روايته عني بهذا السند إجازةً عامّةً لطلاب العلم، وأُوصيهم وإياي بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن وصالح الدعاء.
والله الهادي إلى سواء السبيل
وكتبه
الأستاذ الدكتور هاشم محمد علي حسين مهدي
مستشار الدراسات والبحوث برابطة العالم الإسلامي سابقا
مكة المكرمة في (١) محرّم (١٤٣٩ هـ)
1 / 18
ترجمة العلَّامة الشيخ محمد الأمين الهرري شارح سنن ابن ماجه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه ترجمة للعلامة الشيخ محمد الأمين بن عبد الله الهرري، نزيل مكة المكرمة، المدرس في دار الحديث الخيرية، وكان مدرسًا في الحرم الشريف نحو ثمان سنوات قبل أن يتفرغ للتأليف.
اسمه
هو محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن، أبو ياسين الأُرمي نسبًا، العلوي قبيلة (١)، الإِثيوبي دولة، الهرري منطقة، الكرِّي ناحيةَ، البُوَيْطِي قرية، السلفي مذهبًا، السعودي إِقامة، نزيل مكة المكرمة، جوار الحرم الشريف في المسفلة حارة الرشد.
مولده
ولد في الحبشة في منطقة الهرر في قرية بويطة، في عصر يوم الجمعة أواخر شهر ذي الحجة سنة (١٣٤٨) من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات.
_________
(١) الأرمي: نسبة إِلى شعب أُرمُو، وهي أكثر مَن في الحبشة بنسبة ٨٥ %، والعلويُّ: نسبة إِلى عليّ بن قَلْعو بن هُنْبَنَّا بن أرمو، أبو قبيلةٍ كبيرةٍ.
1 / 19
نشأته
تربَّى بيدِ والده، وهو يتيم عن أمه، ووضعه عند المعلم وهو ابن أربع سنين، وتعلم القرآن وختمه وهو ابن ست سِنين، ثم حوَّله إِلى مدارس علوم التوحيد والفقه، وحفظ من توحيد الأشاعرة "عقيدة العوام" للشيخ أحمد المرزوقي، و"الصغرى" و"صغرى الصغرى"، و"الكبرى" و"كبرى الكبرى" للشيخ محمد السنوسي؛ لأن أهل الحبشة كانوا وَقْتَئذ من الأشاعرة.
وحفظ من مختصرات فقه الشافعية كثيرًا كـ "مختصر بافضل الحضرمي"، و"مختصر أبي شجاع" مع كتاب "كفاية الأخيار"، و"عمدة السالك" لأحمد بن النقيب، و"زبد أحمد ابن رسلان" ألفية في فقه الشافعية، وقرأ "المنهاج" للإِمام النووي مع شرحه "مغني المحتاج"، و"المنهج" لشيخ الإِسلام الأنصاري مع شرحه "فتح الوهاب"، وقرأ كثيرًا من مختصرات فقه الشافعية ومبسوطاتها على مشايخ عديدة من مشايخ بلدانه.
رحلته
ثم رحل إِلى سيبويه زمانه وفريد أوانه أبي محمد الشيخ موسى بن محمد الأديلي (١)، وبدأ عنده دراسة الفقه، بدأ بـ "شرح جلال الدين المحلي على منهاج النووي"، ثم بعدما وصل إِلى (كتاب السلم) .. حوله شيخه المذكور - رحمه الله تعالى - إِلى دراسة النحو؛ لما رأى فيه من النجابة والاجتهاد في العلم، فقرأ عليه مختصرات النحو كـ "متن الآجرومية" وشروحها العديدة، و"متن الأزهرية"، و"ملحة الإِعراب" مع شرحه "كشف النقاب" لعبد الله الفاكهي، و"قطر الندى" مع شرحه "مجيب الندا" لعبد الله الفاكهي، وقرأ "الألفية" لابن مالك مع شروحها العديدة كـ "شرح ابن عقيل"، و"شرح المكودي"، و"شرح السيوطي".
_________
(١) الأديلي - بفتح الهمزة وتشديد الدال المفتوحة - نسبة إِلى أَدَّيْلَ من أعمال دِرْدوا.
1 / 20
ثم اشتغل بكتب الصرف والبلاغة والعروض والمنطق والمقولات والوضع واجتهد فيها، وحفظ "ألفية ابن مالك" و"ملحة الإِعراب" و"لامية الأفعال" و"السلم" في المنطق، و"الجوهر المكنون" في البلاغة.
وكان لا ينام كل ليلة حتى يختم القصائد المذكورة حفظًا، وكان قليل النوم في صغره إِلى كبره، حتى كان لا ينام غالبًا بعدما كبر إِلا أربع ساعات من أربع وعشرين ساعة؛ لكثرة اجتهاده في مذاكرة العلم، وكان يدرس هذه الفنون جنب حلقة شيخه مع دراسته على الشيخ المذكور.
ثم رحل من عنده بعدما لازمه نحو سبع سنوات إِلى شيخه خليل زمانه وحبيب عصره وأوانه الشيخ محمد مديد الأديلي أيضًا، فقرأ عنده مطولات كتب النحو كـ "مجيب الندا على قطر الندى" للفاكهي، و"مغني اللبيب" لابن هشام، و"الفواكه الجنية على المتممة الآجرومية" وغير ذالك من مطولات علم النحو، وكان يدرس أيضًا جنب حلقة شيخه وقرأ عليه أيضًا التفسير إِلى (سورة يس).
ثم رحل من عنده بعدما لازمه ثلاث سنوات إِلى شيخه الحاوي المفسر في زمانه الشيخ إِبراهيم بن ياسين المَاجَتِيِّ (١)، فقرأ عليه التفسير بتمامه، والعروض من مختصراته ومطولاته كـ "حاشية الدمنهوري على متن الكافي"، و"شرح شيخ الإِسلام الأنصاري على المنظومة الخزرجية"، و"شرح الصبان على منظومته في العروض"، وقرأ عليه أيضًا مطولات المنطق والبلاغة، ولازمه نحو ثلاث سنوات.
ثم رحل من عنده إِلى الشيخ الفقيه يوسف بن عثمان الوَرْقِي (٢)، وقرأ عليه مطولات علم الفقه كـ "شرح الجلال المحلي على المنهاج"، و"فتح الوهاب
_________
(١) المَاجَتِيِّ: نسبة إِلى ماجة من بلاد وَلَّوْ.
(٢) الورقي: نسبة إِلى وَرْقَةَ من أعمال مدينة هرر.
1 / 21
على المنهج" لشيخ الإِسلام مع "حاشيته" لسليمان البُجَيْرِمي و"حاشيته" لسليمان الجمل، و"حاشية التوشيح على متن أبي شجاع"، و"مغني المحتاج" للشيخ الخطيب إِلى (كتاب الفرائض)، وقرأ عليه غير ذالك من كتب الفرائض كـ "حواشي الرحبية"، و"الفُرَاتِ الفائض في فَنِّ الفرائض" - وهو كتاب جيد من مطولاتها - ولازمه نحو أربع سنوات.
ثم رحل من عنده إِلى الشيخ إِبراهيم المُجِّي (١)، فقرأ عليه "فتح الجواد" لابن حجر الهيتمي على "متن الإِرشاد" لابن المقرئ الجزأين الأولين منه.
ثم رحل من عنده إِلى شيخ المحدثين الحافظ الفقيه الشيخ أحمد بن إِبراهيم الكَرِّي، وقرأ عليه "البخاري" بتمامه، و"صحيح الإِمام مسلم" وبعض كتب الاصطلاح.
ثم رحل من عنده إِلى مشايخ عديدة، وقرأ عليهم السنن الأربعة، و"الموطأ"، وغير ذالك من كتب الحديث مما يطول بذكره الكلام.
ثم رحل من عندهم إِلى الشيخ عبد الله نُورَوْ القَرْسِي (٢)، فقرأ عليه مطولات كتب البلاغة "شروح التلخيص" لسعد الدين التفتازاني وغيره، ومطولات كتب أصول الفقه كـ "شرح جمع الجوامع" لجلال الدين المحلي، وقرأ عليه من النحو "حاشية الخضري على ابن عقيل".
وقرأ على غير هؤلاء المشايخ كتبأ عديدة من فنون متنوعة مما يطول الكلام بذكره من كتب السيرة وكتب الأمداح النبوية؛ كـ "بانت سعاد" و"همزية البوصيري" و"بردته" و"القصيدة الوترية" و"الطرَّاف والطرائف" و"إِضاءة الدُّجُنَّة" - منظومة في كتب الأشاعرة - وغير ذالك مما يطول الكلام بذكره.
وكان يدرِّس مع دراسته جنب حلقة مشايخه ما درس عليهم من أربع عشرة
_________
(١) المُجِّي: نسبة إِلى قبيلة من قبائل نَولَى.
(٢) القرسي: نسبة إِلى قَرسا ناحية من أعمال دردوا.
1 / 22