باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم
إذا ظلم الوالي أو استأثر في الدنيا، فالذي عليّ -كما قلنا من قبل- أن أؤدي الذي علي وأسأل الله الذي لي.
وإذا ابتلاني الله تعالى بأن الذي لي لم يصلني فالواجب عليّ الصبر.
قال: [حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يُحدّث عن أنس بن مالك].
هذا هو الإسناد الثاني.
قال: سمعت قتادة؛ لأن قتادة مدلّس، واسمه قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ومعنى قتادة في اللغة: فرع الشجرة.
والدعامة: أصل الشجرة.
فهو قتادة وأبوه دعامة، قتادة بن دعامة السدوسي البصري يحدث عن أنس.
وفي رواية أخرى قال: سمعت أنسًا.
وقتادة كان مدلّسًا.
[عن أسيد بن حضير].
أنس بن مالك صحابي وأسيد بن حضير صحابي.
فهذه قوة إسنادية: أن صحابيًا يروي عن صحابي آخر.
قال: [(أن رجلًا من الأنصار خلا برسول الله ﷺ] خلا أي: اختلى به في مكان، وليس خلا به بمعنى: أنه عصاه ولم يطعه.
[(فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟)].
هذا الكلام محرج وليس وجيهًا؛ ولذلك استحيا أن يسأله على الملأ.
فقال: [(يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟ فقال: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)] هل هذا الجواب مطابق للسؤال؟ قال: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
يفهم من هذا الكلام أن من طبيعة العُمّال والأمراء إيثار أنفسهم على الرعية، فلم يرد الرسول ﷺ أن يكون هذا الأنصاري منهم، والأثرة أكثر ما تكون في الولاية من بعده ﷺ؛ لذلك يقول: لا يمنع إذا استعملتك أن تبقي نفسك للمال وملذات الدنيا على الرعية فتقع في المحذور، فاصبر حتى تلقاني على الحوض، وإذا كنت مأمورًا لدى عامل من العُمّال فآثر نفسه دونك، فأد الذي عليك، وانتظر واصبر على أن تلقى ما هو لك حتى تلقاني على الحوض فإنه لن يضيع، فالذي يضيع في الدنيا لا يضيع في الآخرة، وهذا يبيّنه ما كان من أمر أبي ذر ﵁ عندما قال: (يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: إنك لضعيف) وأنا أحبك يا أبا ذر! وأحب لك ما أحب لنفسي! فانظر إلى منتهى الشفقة منه ﵊!
21 / 13