شرح لامية ابن تيمية

عمر العيد ت. غير معلوم
157

شرح لامية ابن تيمية

تصانيف

صفات الله كمال من جميع الوجوه الأصل الثالث: أن صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، أي صفة لله تعالى فهي صفة كمال كما لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فمثلًا: السمع، البصر، اليد، القدم، الإصبع، الضحك، العجب إلى غيره، كلها صفات كمال لا يوجد فيها نقص، ولهذا قال بعض السلف: كل صفة أضيفت إلى الرب ﷾ فهي كمال، حتى لا يرد في ذهنك أن هذه توجب نقصًا، مثلما قال المبتدعة في: (ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الأخير) قالوا: كيف ينزل ولا حاجة للنزول، والنزول من صفات المخلوقين، ويلزم أن تكون السماوات فوقه وغيرها من الشبه التي وردت، وهذا كلام لا نقبله، نقول: بمجرد أن يوصف الله بهذه الصفة، فإنها كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه تلقائيًا، حتى لا يرد علينا ما قاله المبتدعة أن بعض الصفات توجب النقص. يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن أصل الصفات تنقسم إلى أقسام متعددة: القسم الأول: صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة. القسم الثاني: صفات نقص لا كمال فيها أبدًا، مثل: العجز، إنسان عاجز يقال: والله ما شاء الله هذه صفة جميلة أنه عاجز، ليس فيه كمال أبدًا، ومثله: الموت صفة نقص. القسم الثالث: صفات مترددة بين الكمال والنقص، مثل: المكر، الكيد، الخداع، الاستهزاء، فترددها بين الكمال والنقص إذا كانت في باب المقابلة كانت كمالًا، وإذا أخذت وحدها كانت نقصًا، ومن الأمثلة على ذلك: إذا قيل: ترى فلانًا هذا يمكر، وهذا مخادع، هذا يعتبر نقصًا وليست كمالًا، لكن إذا قيل: ترى فلانًا هذا يخادع المخادعين كلهم، يدل على أن عنده نوعًا من الكمال، ولهذا جاءت في باب المقابلة في النصوص: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال:٣٠] هؤلاء يمكرون بالمؤمنين لكن الله يمكر بهم كانت صفة كمال، وتجد ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة:١٥] جاءت في باب المقابلة وكانت كمالًا: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق:١٥-١٦] جاءت مقابلة وكانت كمال. القسم الرابع: صفات كمال في الخالق، ولكنها صفة نقص في المخلوق، مثل: صفة الكبرياء، الله هو المتكبر، لكن المخلوق إذا قيل: فلان متكبر هذه صفة نقص، لكنها في الخالق ﷾ كمال. القسم الخامس: صفة نقص في الخالق، وإن كان فيها نوع كمال في المخلوق، مثل: الصاحبة والولد، إذا جئنا نقول: والله فلان متزوج له أربع سنوات مسكين ولم يأته أولاد، يجئ إنسان يقول: الحمد لله ليس عندي أولاد، الله ليس له أولاد وأنا ما عندي أولاد هل يمتدح بهذا؟ لا. لعل كون الولد والصاحبة يفهم منها احتياج الإنسان وضعفه وحاجته، الإنسان ضعيف، يحتاج إلى هذه الأمور، ويفهم منها نوع نقص، لكنا نعتبر هذا من الكمال النسبي. عندنا قاعدة لـ أهل السنة والجماعة ذكرها وأومأ إليها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وقد أخذت عن طريق التتبع للنصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ: وهي أن النصوص وردت بالإثبات المفصل وبالنفي المجمل، ويقصد به: أنك إذا أردت أن تمدح أحدًا فماذا تقول له؟ هل تأتي تقول: والله إنك إنسان؟ هذا إثبات، لكن إذا قلت: أنت طالب مجتهد فاضل حافظ، تجد كل ما أعطيته صفة انشرح صدره وفرح لذلك، هذا يسمى إثباتًا مفصلًا؛ لأنك تثبت، والله ﷾ قال: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الحشر:٢٤] إلى غير ذلك فهذا إثبات مفصل. لكن النفي المجمل مثل -ولله المثل الأعلى- إذا قلنا لطالب: لا يوجد في القاعة طالب مثلك أبدًا، تراه يستريح جدًا جدًا، لكنك إذا أردت أن تنفي عنه نفيًا مجملًا فقلت له: أنت طالب -من النفي المفصل- أفضل من الكرسي، وأفضل من الطاولة، وأنت أحسن، مثلما قيل: أنت أفضل من الزبال والحمال والعامل وخير من الكلب والحمار، يضيق صدره، هل المعنى صحيح أم باطل؟ المعنى صحيح، لكنه بهذا الأسلوب ليس مدحًا. ولذلك قيل من اللطائف: أن أعرابيًا جاء يمدح الخليفة، فقال له في مدحه: أنت كالكلب في الوفاء وكالتيس في قرع الخطوب ما عنده إلا تيوس وكلاب، فأراد أن يمدح الخليفة بهذا، فغضب وكاد أن يفتك به، فقيل له: انتظر عليه وأمهله فجعله في القصر، في قصر الملك سنة، ثم جاء مادحًا للخليفة وأثنى عليه بقصيدة: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري جاء بالغزلان وبالرصافة وبالقصور وبغيره؛ لأنه عاش في جو غير الجو الذي هو فيه، وإذا أردت أن تمدح شخصًا فخذ هذه القاعدة بالمدح والإثبات له، فإنه يكون بالإثبات المفصل وبالنفي المجمل، مثال الإثبات المفصل: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ﴾ [الحشر:٢٢-٢٣] . ومثال النفي المجمل: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤] كذلك: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل:٧٤] ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] كل هذه تسمى نفيًا مجملًا. إذًا لا يمكن أن نتصور شيئًا من ذلك، قال العلماء رحمهم الله تعالى: قد يرد النفي مفصلًا، والأصل أن النفي مجمل، قالوا: لأمرين، ولعل المثال عليه: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٣-٤] هذا نفي مفصل، و﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا﴾ [الجن:٣] هذا نفي مفصل، قالوا: العلة في ذلك: أولًا: للرد على بعض من الطوائف المنحرفة، حين قالت اليهود: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة:٣٠] والنصارى: ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة:٣٠] حيث قالوا: لإبطال عقائد كانت موجودة مثل العقائد التي كانت عند مشركي العرب، بأنهم قالوا: إن الملائكة هم بنات الله تعالى، وإلا فإن الأصل الإثبات المفصل والنفي المجمل. ذكر بعض أهل العلم إيماءً لطيفًا وإن كان ليس على إطلاقه: أن توحيد الأسماء والصفات هو الذي انقسمت فيه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولكن الحقيقة ليس على إطلاقه، فإن هناك مسائل خلاف أعظم من مسائل باب الأسماء والصفات، ومن الأمثلة على ذلك: طائفة الخوارج عندها انحراف، وطائفة الرافضة عندها انحراف في مسائل، وإن كان يوجد عندهم انحراف في الأسماء والصفات، ولكن كان الانحراف عندهم في باب الصحابة ﵃ وأرضاهم، وكان عندهم انحراف في ألوهية الله تعالى وفي ربوبيته، إذ يعتقدون أن أئمتهم يعلمون ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، وأنه لا يحدث في الكون شيء إلا بعلمهم واطلاعهم، بل ولهم شيء من التدبير فيه، ولا شك أن هذا القول قول باطل بأن الانقسام كله في باب الأسماء والصفات ليس على إطلاقه، وإنما في الجملة وقع الخلاف فيه قويًا، والأصل عندنا أن نرجع إلى مسائل الاعتقاد على ضوء ما ذكره أو ما قسمه أصحاب الملل والفرق في كتبهم، فنجد أن التقسيم جزء منه يرجع إلى الأسماء والصفات، وجزء يرجع إلى الصحابة، وجزء يرجع إلى مسائل القضاء والقدر، وجزء يرجع إلى مسائل الإيمان، وغيرها من المسائل التي حدث الانحراف فيها.

10 / 6