شرح القواعد الفقهية
الناشر
دار القلم
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
مكان النشر
دمشق - سوريا
تصانيف
لَا يكون القَوْل قَوْلهَا حكما لَهَا بالاستصحاب المعكوس الْمُتَقَدّم، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُرِيدُ بِهِ اسْتِحْقَاق الْإِرْث، وَهُوَ لَا يصلح حجَّة للاستحقاق بل يكون القَوْل للْوَرَثَة أَيْضا حكما بالاستصحاب الْحَقِيقِيّ وَهُوَ بَقَاؤُهَا على دينهَا إِلَى مَا بعد الْمَوْت، لِأَن الْوَرَثَة يدفعونها بذلك عَن الِاسْتِحْقَاق (ر: الْأَشْبَاه والنظائر) وَيشْهد لَهُم ظَاهر الْحُدُوث أَيْضا حَيْثُ يضيفون إسْلَامهَا الْحَادِث لأَقْرَب أوقاته (ر: مَا سَيَأْتِي فِي مستثنيات الْمَادَّة / ١١) .
هَذَا، وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِصْحَاب غير حجَّة فِي الِاسْتِحْقَاق لِأَنَّهُ من قبيل الظَّاهِر، وَمُجَرَّد الظَّاهِر لَا ينتهض حجَّة فِي إِلْزَام الْغَيْر، وَلما كَانَ الِاسْتِحْقَاق على الْغَيْر إلزامًا لَهُ لم يكتف فِيهِ بِالظَّاهِرِ. قَالَ الإِمَام الْكَرْخِي فِي أُصُوله: " الأَصْل أَن الظَّاهِر يدْفع الِاسْتِحْقَاق وَلَا يُوجب الِاسْتِحْقَاق "، وَقَالَ الإِمَام النَّسَفِيّ فِي شرح ذَلِك: " من مسَائِل هَذَا الأَصْل أَن من كَانَ فِي يَده دَار فجَاء رجل يدعيها فَظَاهر يَده يدْفع اسْتِحْقَاق الْمُدعى، حَتَّى لَا يقْضى لَهُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَلَو بِيعَتْ دَار لجنب هَذِه الدَّار فَأَرَادَ أَخذ الدَّار الْمَبِيعَة بِالشُّفْعَة بِسَبَب الْجوَار لهَذِهِ الدَّار، فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن تكون هَذِه الدَّار الَّتِي فِي يَده مَمْلُوكَة لَهُ، فَإِنَّهُ بِظَاهِر يَده لَا يسْتَحق الشُّفْعَة مَا لم يثبت أَن هَذِه الدَّار ملكه.
وَذكر ابْن نجيم فِي الْأَشْبَاه، نقلا عَن التَّحْرِير، أَن الْأَوْجه أَن الِاسْتِصْحَاب لَيْسَ بِحجَّة مُطلقًا لَا فِي الدّفع وَلَا فِي الِاسْتِحْقَاق، وَأَن مَا يدل بِظَاهِرِهِ من الْفُرُوع على أَنه حجَّة فِي الدّفع فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة احتجاجًا بالاستصحاب، بل باستمرار الْعَدَم الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء.
هَكَذَا ذكرُوا، وَلم يظْهر لي، لِأَن اسْتِمْرَار الْعَدَم فِي الْمسَائِل العدمية هُوَ عين الِاسْتِصْحَاب الْمَذْكُور، وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي التَّعْبِير. على أَن كثيرا من الْأُمُور الَّتِي حكمُوا فِيهَا بالاستصحاب لَيست من الْأُمُور العدمية حَتَّى يَصح أَن يُقَال فِيهَا إِن الِاحْتِجَاج بهَا من قبيل الِاحْتِجَاج باستمرار الْعَدَم الْأَصْلِيّ، بل هُوَ من الْأُمُور الوجودية الْعَارِضَة، كَمَا فِي مَسْأَلَة اخْتِلَاف الْأَب وَالِابْن فِي الْيَسَار والإعسار الْمُتَقَدّمَة، فقد حكم فِيهَا بيسار الْأَب الْمَاضِي لما كَانَ مُوسِرًا وَقت الْخُصُومَة، فَكيف يُمكن أَن يعْتَبر هَذَا حكما باستمرار الْعَدَم الْأَصْلِيّ؟ ... .
1 / 92