134

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

تصانيف

[المسألة الثانية]:
أنَّ أهل السنة والجماعة جعلوا الرؤية حق، والرؤية بالعينين.
وهذه الرؤية جاءت فيها آيات كثيرة وأحاديث متواترة عنه ﷺ، وأجمع أهل التفسير من الصحابة والتابعين على القول بالرؤية، ولم ينكرها أحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ومن الأدلة على أنَّ الرؤية حق:
قول الله ﷿ ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:١٠٣]، وقوله ﷿ ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦]،وقوله ﷿ ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ [المطففين:٢٣]، وقوله ﷿ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:٢٢-٢٣]،وقوله ﷿ عن الكفار ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:١٥]،وقوله ﷿ ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:٣٥]، ونحو ذلك من الأدلة.
وكذلك الأدلة التي فيها ذِكْرُ لقاء الله ﷿ كلها صالحة للاحتجاج بها على رؤية الله سبحانه، كقوله سبحانه ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:١١٠]، فَسَّرَهَا طائفة من العلماء من السلف فمن بعدهم بأنَّ لقاء الله برؤيته وهو المعروف لغة.
وكذلك في قوله ﷿ ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب:٤٤] قال ثَعْلَبْ -وهو من علماء اللغة المبرزين العارفين-: أجمع أهل اللغة على أنَّ اللُّقْيَا هاهنا هي الرؤية، وذلك لأنَّه لا يمكن ملاقاة وتحية وخطاب باللغة إلا برؤية، والأدلة على ذلك متنوعة، في كل دليل فيه ذكر الرؤية لله ﷿ أو فيه ذكر اللقاء، أو ما فُسِّرَ بالسنة برؤية الله ﷿.
وأما من سنة النبي ﷺ فكما ذكرت لكم الأدلة كثيرة جدًا بلغت مبلغ التواتر، فمنها قوله ﷺ (إِنّكُمْ ستَرَوْنَ رَبّكُمْ يوم القيامة كَمَا تَرَوْنَ البدر ليلة التمام لاَ تُضَامّونَ فِي رُؤْيَتِهِ) (١) .
والحديث الآخر قال فيه ﷺ (هل تَرَوْنَ الشمس في وسط النهار، هل تُضَامّونَ فيها؟) قالوا: لا. قال (هل تَرَوْنَ القمر ليلة الْبَدْرِ، هل تُضَامّونَ فيه؟) قالوا: لا. قال (فإِنّكُمْ ستَرَوْنَ رَبّكُمْ كما تَرَوْنَ الشمس وسط الظهيرة لا تُضَامّونَ فيها وكما تَرَوْنَ القمر ليلة التمام لا تُضَامّونَ فيه) (٢) .
وفيه أيضا قوله ﷺ في تفسير قوله تعالى ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦]، من حديث صهيب ا، قال ﷺ في حديث طويل (الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم) (٣) .
وأيضا في الباب قوله ﷺ في وصف الجنة (جنتان من ذهب وما فيهما، وجنتان من فضة وما فيهما، وليس بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا أن يُكشف الحجاب) (٤) .
نسأل الله سبحانه المنّ والكرم لرؤيته ﷿، وأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا، وأن نلقاه وهو راض عنا، سبحانه إنه جواد كريم.
هذه الآيات والأحاديث فيها تقرير لقول أهل السنة واضح الدِلالة.
ولا نخوض في ذلك بتقرير الأوجه اللغوية لما ذُكر لأنه بتكاثرها وتواردها بلغت مبلغ القطع في هذه المسألة، حيث إنَّ المسالة ليست بخفية حتى قال الإمام أحمد لمن قال له إنَّ فلانًا ينكر الرؤية قال: كافر، كافر. يعني لأنَّ هذه لا تحتمل التأويل، وليس ثَمَّ فيها شبهة.

(١) البخاري (٥٥٤) / مسلم (١٤٦٦) / أبو داود (٤٧٢٩) / الترمذي (٢٥٥١) / ابن ماجه (١٧٧)
(٢) مسلم (٤٦٩) / الترمذي (٢٥٥٤) / ابن ماجه (١٧٩)
(٣) مسلم (٤٦٧) / الترمذي (٢٥٥٢) / ابن ماجه (١٨٧)
(٤) البخاري (٤٨٧٨) / مسلم (٤٦٦) / ابن ماجه (١٨٦)

1 / 134