159

تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي

الناشر

غراس للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م

تصانيف

" قال الله ﷿ إخبارًا عن نبيه عيسى ﵇ أنَّه قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ " أي: لا أعلم ما في ذاتك المقدسة، فأنت تعلم ما في نفسي، فلو أخفيتُ شيئًا في نفسي ولم يطَّلع عليه أحد من الخلق لعلمتَه، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ١، فهو ﷾ عليم بكلِّ شيء، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم ما في نفوس العباد.
وفي هذه الآية أدب رفيع من نبي الله عيسى ﵇، وهذا يتبين بالنظر في سياق الآية، قال الله ﷿: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾، ومعنى سبحانك: أنزهك يا الله عن ذلك: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ أي: ما ليس لي بحق أن أقوله: لا أقوله، ومن الأمور التي ليست حقًا الافتراء على الله وادعاء أنَّ مع الله إلهًا آخر. ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ لم يقل: لم أقل ذلك. وإنما أتى بهذه العبارة التي تدل على كمال الأدب ورفيعه، فقال: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾ أي: لو أنَّ شيئًا عندي أخفيته في نفسي فعلمك محيط به. ﴿وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ أي: الشيء الذي لم تُعلِمْني إياه واستأثرت بعلمه فلا علم لي به؛ لأنَّه لا علم لي إلا ما علمتني إياه، فعلم الله محيط بكلِّ شيء، وأما علم العبد مهما بلغ فهو كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ ٢.
" وقال ﷿: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ " الكتابة في الآية كتابة كونية قدرية؛ لأنَّ الكتابة المضافة إلى الله ﷿ نوعان:كتابة كونية قدرية.

١ الآية ١٩ من سورة غافر.
٢ الآية ٨٥ من سورة الإسراء.

1 / 165