شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
الناشر
دار ابن الجوزي،الدمام
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢١هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
جمعه ورتبه: خالد بن عبد الله المصلح
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده – جل ذكره – لا أحصي ثناء عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد..
فغير خاف على أهل العلم، وطلابه، والمشتغلين به ما للعقيدة الواسطية التي ألفها شيخ الإسلام أبو العباس أحمد ابن عبد الحليم بن تيمية-رحمه الله تعالى-من المكانة، والأهمية، والمنزلة بين الكتب المؤلفة في بيان عقيدة السلف. فإن هذه العقيدة المباركة الذائعة الصيت، والحائزة السبق، عظيمة النفع في توضيح عقيدة أهل السنة والجماعة على قلة ألفاظها، وسهولة عبارتها، والذي رشحها لهذا أسباب عديدة منها:
١- أن ما تضمنته هذه العقيدة المباركة معتمد على ما جاء في كتاب الله – ﷿، وسنة رسوله ﷺ، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وذلك في ألفاظها ومعانيها، وقد أبان شيخ الإسلام عن هذه المزية في المناظرة التي جرت في هذه العقيدة فقال: "أنا تحريت في هذه العقيدة اتباع الكتاب، والسنة"١، وقال أيضًا: "وكل لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية، أو حديثًا، أو إجماعًا سلفيًا"٢.
٢- أن ما تضمنته هذه الرسالة المباركة هو نتيجة، وثمرة تتبع شيخ الإسلام – ﵀ – لأقوال السلف، واستقرائها في باب أسماء الله
_________
١ مجموع الفتاوى (٣/١٦٥) .
٢ المصدر السابق (٣/١٨٩) .
1 / 5
والجماعة في هذه العقيدة تحريرًا بالغًا دقيقًا، حتى قال: "قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين، فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي ﷺ يخالف ما ذكرته فأنا راجع عن ذلك"١. ولقد عدل – ﵀ – عن استعمال بعض الألفاظ المشتهرة كالتحريف والتشبيه ونحوهما، لكونها ليست في الكتاب والسنة، وإن كان قد يعنى بها معنى صحيح٢.
٤- أنه على صغر حجم هذه العقيدة المباركة إلا أنها اشتملت على غالب مسائل الاعتقاد، وأصول الإيمان، إضافة إلى بيان المسلك العملي الخلقي لأهل السنة والجماعة.
ولقد حظيت هذه العقيدة بالقبول عند أهل العلم قديمًا وحديثًا، فأثنى عليها أهل العلم، وذكروها بالجميل، فقال الذهبي – ﵀ – في كلام له على هذه الرسالة: "وقع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد"٣، وقال ابن رجب – ﵀ –: "وقع الاتفاق على أن هذه عقيدة سنيّة سلفية"٤، وقال عنها الشيخ عبد الرحمن السعدي – ﵀: "جمعت على اختصارها، ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده في أصول الإيمان، وعقائده الصحيحة"٥.
_________
١ المصدر السابق.
٢ انظر: المصدر السابق (٣/١٦٥- ١٦٦) .
٣ العقود الدرية (ص: ٢١٢) .
٤ الذيل على طبقات الحنابلة (٢/٣٩٦) .
٥ التنبيهات اللطيفة للسعدي (ص: ٦) .
1 / 6
ولهذا اعتنى أهل العلم وطلابه بهذه العقيدة حفظًا، وتدريسًا، تعلمًا، وتعليمًا. وقد شرحت بشروح كثيرة متنوعة بسطًا، واختصارًا، وفي كل خير، لكن لما كانت هذه العقيدة بمثابة الخلاصة، والنبذة لما بسطه شيخ الإسلام – ﵀، وفصّله في مؤلفاته، وكتبه، ورسائله بدا لي أن خير من يوضح ما اشتملت عليه هذه العقيدة، ويبينه هو مؤلفها – ﵀، فاستعنت الله – تعالى – في تتبع كلامه، وجمعه، ثم انتقاء ما يوضح مقصود الرسالة، ويبسط موجزها، ثم تنسيق ذلك، والتأليف بين هذا الدر المنثور لينتظم العِقد، ويتحقق القصد. ولإتمام الفائدة، وتوثيق المادة عزوت جميع ما نقلته من كلامه – ﵀ – سواء كان النقل نصًا، وهو الغالب، أو كان بالمعنى، وهو قليل نزر. وما لم أجد فيه كلامًا للشيخ – ﵀ – رجعت فيه إلى تلميذه ابن القيم – ﵀، وهذا قليل أيضًا. ولم أخرج عن هذا الصراط إلا في عدة مواضع، نقلت فيها كلامًا للشيخ عبد الرحمن بن سعدي – ﵀.
فأسأل الله – تعالى -أن ينفع بهذا الشرح كما نفع بالأصل، وأن يجعله عملًا مقبولًا، تعظم به الحسنات، وترفع به الدرجات، إنه بر جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد البشير النذير، وسلم تسليمًا كثيرًا.
كتبه
خالد بن عبد الله بن محمد المصلح
٩ / ٤ / ١٤٢١ هـ
القصيم عنيزة
ص. ب ١٠٦٠
1 / 7
شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
...
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتحت هذه الرسالة المباركة بالبسملة، وافتتاح الرسائل، والكتب، والمؤلفات بالبسملة مما جرى عليه عمل العلماء خلفًا، وسلفًا تأسيًا بكتاب الله – تعالى – واتباعًا لسنة النبي ﷺ.
والبسملة "جملة تامة: إما اسمية على أظهر قولي النحاة، أو فعلية"١. وقد اختلف النحاة، وأهل اللغة في تقدير متعلق البسملة، فمن "الناس من يضمر في مثل هذا: ابتدائي بسم الله، أو: ابتدأت بسم الله"٢.
والأحسن إضمار ما يناسب الحال، "لأن الفعل كله مفعول بسم الله ليس مجرد ابتدائه، كما أظهر المضمر في قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] !، وفي قوله ﴿بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] ...."٣.
فالمناسب هنا أن يقدر متعلق البسملة: بسم الله اقرأ بالنسبة للقارئ.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق،
ثم ذكر بعد البسملة الحمد، وذلك لأن "الحمد مفتاح كل أمر ذي بال من مناجاة الرب، ومخاطبة العباد"٤. و"الحمد: هو الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة له"٥. و"ذكر الحمد بالألف، واللام التي
_________
١ مجموع الفتاوى (١٠/٢٣٠ – ٢٣١) .
٢ المصدر السابق.
٣ المصدر السابق.
٤ المصدر السابق (٢٢/٣٩٨) .
٥ جامع الرسائل والمسائل (٢/٥٧)، مجموع الفتاوى (٨/٣٧٨)، وانظر: منهاج السنة النبوية (٥/٤٠٤) .
1 / 9
تقتضي الاستغراق لجميع المحامد، فدل على أن الحمد كله لله"١.
والرب – ﷾ – إذا حمد نفسه في كتابه ذكر أسماءه الحسنى، وصفاته العلا، وأفعاله الجميلة٢، ولهذا ذكر المؤلف – ﵀ – بعد حمد الله فعلًا من أفعال الله الجميلة، وهو إرساله رسوله ﷺ بالهدى، ودين الحق. "فالهدى كمال العلم، ودين الحق كمال العمل"٣ وبهما يحصل "صلاح القوة النظرية العلمية، والقوة الإرادية العملية"٤ وذلك لأن الهدى يتضمن العلم النافع، ودين الحق يتضمن العمل الصالح"٥.
ليظهره على الدين كله،
لا ريب أن "دين الحق الذي بعث به رسوله ﷺ ظاهر على كل تقدير"٦، فإن "الله وعد بإظهاره على الدين كله: ظهور علم وبيان، وظهور سيف وسنان، فقال-تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] "٧، "فيظهره بالدلائل، والآيات العلمية التي تبين أنه حق، ويظهره أيضًا بنصره، وتأييده على مخالفيه، ويكون منصورًا"٨.
_________
١ مجموع الفتاوى (١/٨٩) .
٢ انظر: المصدر السابق (٨/٣٧٨) .
٣ المصدر السابق (٢/٥٩) .
٤ المصدر السابق.
٥ الجواب الصحيح (١/١٠٦)
٦ بيان تلبيس الجهمية (٢/٣٤١) .
٧ الجواب الصحيح (١/٢٣٩) .
٨ مجموع الفتاوى (١٤/١٩٥)، وانظر: الجواب الصحيح (٦/٣٦١) .
1 / 10
وكفى بالله شهيدًا
وذلك لأن "شهادته وحده – سبحانه – كافية بدون ما ينتظر من الآيات، كما قال – تعالى –: ﴿قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب﴾ [الرعد: ٤٣] .
وشهادته للقرآن، ولمحمد ﷺ تكون بأقواله التي أنزلها قبل ذلك على أنبيائه، كما قال – تعالى – عن أهل الكتاب: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤٠]، وتكون بأفعاله، وهو ما يحدثه من الآيات، والبراهين الدالة على صدق رسله، فإنه صدَّقهم بها فيما أخبروا به عنه، وشهد لهم بأنهم صادقون"١.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وَسَلَّمَ تسليمًا مزيدًا.
في هذا الشهادة لله – تعالى – بالتوحيد، وللنبي ﷺ بالرسالة والعبودية.
والتشهد مشروع في الخطب والثناء على الله – تعالى٢-، وذلك لأن "التوحيد أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصح إسلام أحد إلا به"٣، فناسب أن يذكر في الخطب والثناء تذكيرًا بأصل الدين وأساس الملة.
وأما الصلاة على النبي ﷺ فهي سؤال الله – تعالى – أن يثني على رسوله، وأن يظهر فضله وشرفه، وأن يكرمه، ويقربه. فصلاة الله على
_________
١ الجواب الصحيح (٥/٤٠٧ – ٤٠٨)، وانظر: مجموع الفتاوى (١٤/١٩١ – ١٩٦)، (١٥/٧٣) .
٢ انظر: مجموع الفتاوى (٢٢/٣٩١) .
٣ المصدر السابق (٢٤/٢٣٥) .
1 / 11
رسوله "هي ثناؤه – سبحانه – عليه، وإظهاره لفضله، وشرفه، وإرادة تكريمه، وتقريبه"١.
أما بعد،
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة.
في هذا بيان موضوع هذه الرسالة المباركة، وأنها قد اشتملت على عقيدة الفرقة الناجية من الأهواء والبدع في الدنيا، والناجية من النار في الآخرة، والموعودة بالنصر، والظهور إلى يوم القيامة.
ووصف هذه الفرقة بالنجاة جاء في بعض روايات حديث: "صحيح مشهور في السنن والمسانيد كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم. ولفظه: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، وفي لفظ: "على ثلاث وسبعين ملة" ٢، وفي رواية قالوا: يا رسول الله من الفرقة الناجية؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ٣، وفي رواية قال: " هي الجماعة، يد الله على الجماعة" ٤، ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة"٥.
_________
١ جلاء الأفهام لابن القيم (ص: ٧٨) .
٢ رواه أحمد (٨٣٧٧)، (٢/٣٣٢)، وأبو داود (٤٥٩٦)، والترمذي (٢٦٤٠)، (٥/٢٥)، وابن ماجه (٣٩٩١)، (٢/١٣٢١) .
٣ رواه الترمذي (٢٦٤١)، (٥/٢٦) .
٤ رواه أحمد (١٧٠٦١)، (٤/١٠٢)، ورواه أبو داود (٤٥٩٧)، وابن ماجه (٣٩٩٢، ٣٩٩٣)، (٢/١٣٢٢) . لكن دون قوله: "يد الله على الجماعة".
٥ مجموع الفتاوى (٣/٣٤٥) . وانظر أيضًا: منهاج السنة النبوية (٣/٤٥٦-٤٥٨)، (٥/٢٤٩) .
1 / 12
"وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي ﷺ: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة "١"٢، وقد جاء هذا الحديث بلفظ: " لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة "٣.
وهذا الوعد الصادق متحقق، ولله الحمد، "فإنه لم يزل، ولا يزال فيه طائفة قائمة بالهدى، ودين الحق، ظاهرة بالحجة، والبيان، واليد، والسنان إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها، وهو خير الوارثين"٤.
ومع قيام هذه الطائفة، وظهورها فإنه "لا يتمكن ملحد، ولا مبتدع من إفساد بغلو، أو انتصار على أهل الحق"٥.
وبالنظر إلى أحوال الفرق، وأقوالهم، وما هم عليه يتبين "أن أحق الناس بأن تكون الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة"٦، إذ هم "المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب"٧، فهم أهل هذا الوصف، وأحق به.
وإنما سموا أهل السنة، لأنه "ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله ﷺ، وهم أعلم الناس بأقواله، وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها، وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، واتباع لها تصديقًا، وعملًا، وحبًا، وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب، والحكمة، فلا
_________
١ رواه البخاري (٣٦٤٠،٣٦٤١)، ومسلم (١٩٢٠) .
٢ المصدر السابق (٣/١٥٩) .
٣ رواه أحمد (١٥٦٨١)، (٣/٤٣٦)، والترمذي (٢١٩٢)، (٤/٤٨٥)، وابن ماجه (١٠)، (١/٦) .
٤ الجواب الصحيح (٥/٩٢) .
٥ منهاج السنة النبوية (٦/٤٢٨) .
٦ مجموع الفتاوى (٣/٣٤٧) .
٧ المصدر السابق (٣/١٥٩) وهو من كلامه في آخر هذه الرسالة المباركة.
1 / 13
ينصبون مقالة، ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه، ويعتمدونه"١.
وسموا أهل الجماعة، "لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة"٢، و"الجماعة هم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا"٣، "فإن الله – تعالى – أمر بالجماعة والائتلاف، وذم التفرق والاختلاف"٤.
وهم أهل الجماعة أيضًا، لأن الإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه في العلم والدين٥ "فمن قال بالكتاب، والسنة، والإجماع كان من أهل السنة والجماعة"٦.
وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.
بدأ ﵀ ذكر عقيدة الفرقة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة بذكر الإيمان العام المجمل الذي يجب على كل أحد، "فإنه يجب على المكلف أن يؤمن بالله، ورسوله، ويقر بجميع ما جاء به الرسول: من أمر الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما أمر به الرسول، ونهى، بحيث يقر بجميع ما أخبر به، وما أمر به"٧،
_________
١ مجموع الفتاوى (٣/٣٤٧) .
٢ المصدر السابق (٣/١٥٧) .
٣ منهاج السنة النبوية (٣/٤٥٨) .
٤ المصدر السابق (٣/٤٦٧) .
٥ انظر: مجموع الفتاوى (٣/١٥٧) .
٦ المصدر السابق (٣/٣٤٦) .
٧ مجموع الفتاوى (٣/٣٢٧)، وانظر أيضًا: (٣/٣١٢) .
1 / 14
هذا هو الإيمان المجمل الواجب على كل أحد. فإن "من لقي الله بالإيمان بجميع ما جاء به الرسول مجملًا، مقرًا بما بلغه من تفصيل الجملة غير جاحد لشيء من تفاصيلها فإنه يكون بذلك من المؤمنين، إذ الإيمان بكل فرد من تفصيل ما أخبر الرسول، وأمر به غير مقدور للعباد، إذ لا يوجد أحد إلا وقد خفي عليه بعض ما قاله الرسول"١. ولذلك فإنه "يصح الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والجنة، والنار، ومعلوم أنا لا نحيط علمًا بكل شيء من ذلك على جهة التفصيل، وإنما كلفنا الإيمان بذلك في الجملة، ألا ترى أنا لا نعرف عدة من الأنبياء، وكثيرًا من الملائكة، ولا نحيط بصفاتهم ثم لا يقدح ذلك في إيماننا بهم"٢. "فلا يشترط في الإيمان المجمل العلم بمعنى كل ما أخبر به"٣ الله، ورسوله ﷺ. فكل من آمن بما جاء به الرسول إيمانًا مجملًا، ثم "عمل بما علم أن الله أمر به مع إيمانه، وتقواه فهو من أولياء الله – تعالى –"٤.
وأول ما يجب الإيمان به على كل أحد الإيمان بهذه الأصول، والقواعد الستة "التي لا يكون أحد مؤمنًا إلا بها"٥، وهى كما يلي:
أولًا: الإيمان بالله – تعالى-، ويتضمن ذلك الإيمان بربوبية الله، وصفات كماله، ونعوت جلاله، وأسمائه الحسنى، وعموم قدرته، ومشيئته وكمال علمه، وحكمته"٦، و"إثبات ما أثبته لنفسه، وتنزيهه عما نزه نفسه عنه"٧.
ومن الإيمان بالله – تعالى – توحيده، وإخلاص الدين له
_________
١ التسعينية (١/٢١٠) .
٢ مجموع الفتاوى (١٦/٤٠٩ – ٤١٠) .
٣ المصدر السابق (١٦/٤١٠) .
٤ المصدر السابق (١١/ ١٧٨ – ١٨٨) .
٥ المصدر السابق (١٤ /١٣٤) .
٦ المصدر السابق (١٤/١٣٥) .
٧ المصدر السابق.
1 / 15
في عبادته، "بل هو قلب الإيمان، وأول الإسلام، وآخره"١.
ثانيًا: -الإيمان بالملائكة، ويتضمن ذلك الإيمان، "بأنهم أحياء ناطقون"٢وأنهم "مخلوقون من نور"٣، وأنهم"لا يحصي عددهم إلا الله"٤، وأن "لهم من العلوم، والأحوال، والإرادات، والأعمال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال"٥ و"أنهم معبّدون أي: مذللون مصرفون، مدينون مقهورون"٦ لله الواحد القهار جل وعلا، ويتضمن أيضًا الإيمان بمن سماه الله منهم في كتابه ٧ أو جاءت به السنة.
ثالثًا: الإيمان بكتب الله – تعالى-، ويتضمن ذلك الإيمان "بكل كتاب أنزل الله"٨، "بما سمى الله من كتبه في كتابه من التوراة، والإنجيل، والزبور خاصةً"٩، وأن لله سوى ذلك كتبًا أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها، وعددها إلا الذي أنزلها"١٠، ويتضمن أيضًا الإيمان بالقرآن العظيم، وأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود كما سيأتي تقريره. "فهو المتكلم بالقرآن، والتوراة، والإنجيل، وغير ذلك من كلامه"١١، ويتميز القرآن عن سائر كتب الله بالنسبة لهذه الأمة بوجوب اتباعه١٢، تصديقًا لأخباره، وعملًا بأحكامه.
_________
١ مجموع الفتاوى (١/٧٠) .
٢ الصفدية (١/١٩٨)، وانظر: مناقشة الفلاسفة في حقيقة الملائكة (١/١٩٣- ٢١٩) .
٣ منهاج السنة النبوية (٢/٥٣٣) .
٤ مجموع الفتاوى (٤/١١٩) .
٥ المصدر السابق (٤/١٢١) .
٦ المصدر السابق (٤/١٢٨) .
٧ انظر: المصدر السابق: (٧/٣١٢) .
٨ الجواب الصحيح (١/٦٣٢) .
٩ مجموع الفتاوى (٧/٣١٢) .
١٠ المصدر السابق.
١١ المصدر السابق (١٢/٣٧) .
١٢ انظر: المصدر السابق (٧/٣١٣)، ذكر ذلك في ثنايا كلام نقله عن محمد بن نصر المروزي في شرح حديث جبريل.
1 / 16
رابعًا: الإيمان بالرسل، ويتضمن ذلك الإيمان "بكل نبي أرسله الله"١، "وبما سمى الله في كتابه من رسله"٢، و"بأن لله سواهم رسلًا، وأنبياء لا يعلم أسماءهم إلا الذي أرسلهم"٣، و"أن محمدًا ﷺ خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين من الإنس، والجن"٤.
خامسًا: الإيمان باليوم الآخر، ويتضمن ذلك "الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت"، وسيأتي لهذا بسط، وبيان في هذه الرسالة المباركة إن شاء الله – تعالى-.
سادسًا: الإيمان بالقدر خيره وشره ٥، وسيأتي بسط، وبيان لهذا الأصل في هذه الرسالة المباركة إن شاء الله – تعالى-.
ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
هذا شروع في بيان بعض ما يتضمنه الإيمان بالله، وهو الإيمان بأسماء الله – تعالى – وصفاته، و"القول الشامل في جميع هذا الباب"٦ "ما أجمع عليه سلف الأمة، وأئمتها"٧، من"أنهم يصفون الله – تعالى – بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير
_________
١ الجواب الصحيح (١/١٣٢) . وانظر: مجموع الفتاوى (١٢/١١) .
٢ مجموع الفتاوى (٧/٣١٣) .
٣ المصدر السابق.
٤ المصدر السابق (١١/١٧٠) .
٥ المصدر السابق (١٦/٣٠٦) .
٦ المصدر السابق (٥/٢٦) .
٧ المصدر السابق (١١/٢٥٠) .
1 / 17
تكييف، ولا تمثيل"١. "قال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله ﷺ لا يتجاوز القرآن، والحديث"٢، وذلك أن "من تأمل نصوص الكتاب، والسنة وجدها في غاية الإحكام، والإتقان، وأنها مشتملة على التقديس لله عن كل نقص، والإثبات لكل كمال"٣.
وهذه الاحترازات المذكورة "من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل"تمحض سبيل أهل السنة والجماعة، وطريقة سلف الأمة وأئمتها، وتخلصها من الضلالة، والبدعة في هذا الباب، ويتبين ذلك ببيان ما تضمنته هذه الاحترازات.
فالمراد بالتحريف: التأويل المذموم الباطل الذي هو "صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، كتأويل من تأول: استوى بمعنى استولى، ونحوه، فهذا عند السلف، والأئمة باطل لا حقيقة له، بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله، وآياته"٤، إذ هو في الحقيقة صرف للنصوص عن مدلولها ومقتضاها ٥، و"إزالة اللفظ عما دل عليه من المعنى"٦، واستعمال التأويل بهذا المعنى "لا يوجد الخطاب به إلا في اصطلاح المتأخرين"٧ فقط. وأما السلف فالتأويل عندهم "بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب في اصطلاح المفسرين للقرآن"٨، وهو أيضًا "الحقيقة التي يؤول إليها الكلام"٩.
_________
١ الصفدية (١/١٠٣) وانظر: منهاج السنة (٢/١١١، ٥٢٣)، الجواب الصحيح (٢/١٦٣)، مجموع الفتاوى (٥/١٩٥)، (٦/٣٨)، (٨/٤٣٢)، (١١/٢٥٠) .
٢ مجموع الفتاوى (٥/٣٨٢) .
٣ المصدر السابق (١١/٣٦١) .
٤ درء تعارض العقل والنقل (٥/٣٨٢) .
٥ انظر: المصدر السابق (٥/٢٣٥)، مجموع الفتاوى (٥/٣٤٩) .
٦ مجموع الفتاوى (٣/١٦٥) .
٧ الصفدية (١/٢٨٩) .
٨ مجموع الفتاوى (٣/٥٥) .
٩ المصدر السابق (٣/٥٦) .
1 / 18
"وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف الإعراض عن فهم كتاب الله – تعالى – كما فهمه الصحابة والتابعون، ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه، وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسوله، ولكن على وجه النفاق والخداع"١.
وأما التعطيل فالمراد به "نفي الصفات"٢، "ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات معطلة، لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله – تعالى-"٣. وقد سموا هذا العبث بالصفات توحيدًا، "ففسروا التوحيد بتفسير لم يدل عليه الكتاب، والسنة، ولا قاله أحد من سلف الأمة، وأئمتها"٤.
وأما التكييف فالمراد به السؤال "عن الهيئة، والصورة"٥، وطلب حقيقة الشيء، وكنهه ٦.
وتكييف صفات الله – تعالى-: -"منفي بالنص"٧ في قوله – تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ [آل عمران: ٧]، "فالكيف هو التأويل الذي لا يعلمه
_________
١ درء تعارض العقل والنقل (٥/٣٨٣) .
٢ المصدر السابق (٨/٢٤٧)، (١/٢٨٤) .
٣ مجموع الفتاوى (٥/٣٢٦) .
٤ بيان تلبيس الجهمية (١/١٣٢)، وانظر: درء تعارض العقل والنقل (٧/١٢٧) .
٥ المصدر السابق (٣/١٣٩) مخطوط.
٦ انظر: المصدر السابق (١/٦٤)، درء تعارض العقل والنقل (٧/٣٢٨، مجموع الفتاوى (٣/١٦٧) .
٧ مجموع الفتاوى (٣/١٩٥) .
1 / 19
إلا الله"١، فإن معنى التأويل هو "الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب، وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها"٢، فتأويل "آيات الصفات يدخل في حقيقة الموصوف وحقيقة صفاته، وهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله"٣، فإن تأويل ما أخبر الله به عن نفسه هو "كنه ذاته، وصفاته التي لا يعلمها إلا الله"٤.
ولقد اتفق السلف على نفي المعرفة بماهية الله، وكيفية صفاته٥، ولا عجب فإن "العلم بكيفية الصفة فرع على العلم بكيفية الموصوف، فإن كان الموصوف لا تعلم كيفيته امتنع أن تعلم كيفية الصفة"٦.
أما التمثيل فالمراد به التسوية بين الله – تعالى – وغيره فيما يجب، أو يجوز أو يمتنع ٧، "فإن الرب – تعالى – منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه"٨.
و"نفي المثل عن الله، ونفي الشريك ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف"٩، "مع دلالة العقل على نفيه"١٠. فالواجب إثبات الصفات، ونفي التمثيل، فإنه "لا ريب أن القرآن تضمن إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات"١١. بل جميع "الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفصيل مع تنزيهه عن أن يكون له مثيل"١٢.
ووجه الجمع بين التحريف، والتعطيل أن التحريف يفضي إلى
_________
١ المصدر السابق (١٧/٣٧٤)، انظر: درء تعارض العقل والنقل (٩/٢٣ – ٢٤) .
٢ درء تعارض العقل والنقل (٥/٣٨٢) .
٣ مجموع الفتاوى (٣/١٦٧) .
٤ درء تعارض العقل والنقل (١/٢٠٧) .
٥ انظر: بيان تلبيس الجهمية (١ /٦٤)، مجموع الفتاوى (٣/١٩٥)،درء تعارض العقل والنقل (٩/٢٣) .
٦ مجموع الفتاوى (٦/٣٩٩)، وانظر (٥/٢٥، ٣٣٠) .
٧ انظر: بيان تلبيس الجهمية (١/٥٣، ٥٧)، (٢، ٣٨١)، درء تعارض العقل والنقل (٥/٨٤) .
٨ الصفدية (١/١٠١) .
٩ التسيعينية (٢/٧٥١) مع نوع تصرف.
١٠ مجموع الفتاوى (٣/١٩٦) .
١١ درء تعارض العقل والنقل (٧/١١١) .
١٢ المصدر السابق (٦/٣٤٩) .
1 / 20
التعطيل، أما الجمع بين التكييف، والتمثيل فلأن التكييف يفضي إلى التمثيل، فالواجب في نصوص الكتاب، والسنة "أن تمر كما جاءت، ويؤمن بها، وتصدق، وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل"١
بل يؤمنون بأن الله – سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
في هذه الآية الكريمة دليل لصحة طريقة الفرقة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة، وسلامة سبيلهم، ومنهجهم في هذا الباب حيث إن "طريقة سلف الأمة، وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل"٢، "ففي قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رد على أهل التمثيل، وفي قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ رد على أهل التعطيل"٣.
"ولا ريب أن أهل السنة، والجماعة، والحديث من أصحاب مالك والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وغيرهم متفقون على تنزيه الله – تعالى – عن مماثلة الخلق، وعلى ذم المشبهة الذين يشبهون صفاته بصفات خلقه"٤، فإنه قد علم بالكتاب، والسنة، والإجماع ما يعلم بالعقل أيضًا أن الله – تعالى – ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا يجوز أن يوصف بشيء من خصائص
_________
١ مجموع الفتاوى (٦/٣٥٥) .
٢ منهاج السنة النبوية (٢/٥٢٣)، وانظر: مجموع الفتاوى (٣/٤) .
٣ درء تعارض العقل والنقل (٦/٣٤٨)، وانظر: الجواب الصحيح (٢/١١١)، (٣/١٤٠) .
٤ بيان تلبيس الجهمية (٢/٥٣٢)، وانظر: (١/١٤٧)، ومنهاج السنة النبوية (٢/٥٢٢) .
1 / 21
المخلوقين؛ لأنه متصف بغاية الكمال منزه عن جميع النقائص، فإنه – سبحانه – غني عما سواه، وكل ما سواه مفتقر إليه"١، و"كما أن الرب نفسه ليس كمثله شيء فصفاته كذاته"٢.
وفي هذه الآية أيضًا "إثبات صفات الكمال على وجه الإجمال"٣، والمراد بالكمال المثبت له "الكمال الذي لا يماثله فيه شيء"٤.
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه،
طريقة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة سالمة من نفي ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو في سنة رسوله ﷺ؛ لأنه "لا يجوز النفي إلا بدليل كالإثبات"٥، "هذا هو الصواب عند السلف، والأئمة، وجماهير المسلمين"٦. وقد اتفق سلف الأمة على ذم من نفى بلا دليل٧ "فكيف ينفى بلا دليل ما دل عليه دليل إما قطعي، وإما ظاهري"٨؛ "فإن الله – تعالى – أخبر عن صفاته، وأسمائه بما لا يكاد يُعد من آياته"٩، ثم إن النفي "لا يؤمن معه إزالة ما وجب له – سبحانه-"١٠ من صفات الجلال، ونعوت الكمال، كما أن "النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء، هو كما قيل ليس
_________
١ مجموع الفتاوى (٦/٣٩٩)، وانظر: (١٢/٥٧٥) .
٢ درء تعارض العقل والنقل (١٠/١٩٨) .
٣ الصواعق المرسلة لابن القيم (٣/١٠٢٢) .
٤ المصدر السابق (٣/١٠٢٩) .
٥ بيان تلبيس الجهمية (١/٧٩) .
٦ المصدر السابق.
٧ انظر: المصدر السابق (١/٤٤٤) .
٨ المصدر السابق (١/٧٩) .
٩ درء تعارض العقل والنقل (٥/٣٢)، والمراد بقوله: "يُعَدُّ" يحصى.
١٠ بيان تلبيس الجهمية (١/٧٩) .
1 / 22
بشيء فضلًا عن أن يكون مدحًا أو كمالًا"١، "وإنما يكون كمالًا إذا تضمن أمرًا ثبوتيًا كقوله: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥] "٢ فإن "نفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم"٣. فما جاء من وصفه – سبحانه – بالنفي "فالمقصود إثبات الكمال"٤.
"فالواجب أن ينظر في هذا الباب فما أثبته الله، ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله، ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات، والنفي. فننثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني"٥.
ولا يحرفون الكلم عن مواضعه،
طريقة أهل السنة والجماعة سالمة أيضًا من تحريف الكلم عن مواضعه، وذلك بتغيير "معنى الكتاب، والسنة فيما أخبر الله به، أو أمر به"٦. ولما تورط أهل البدع، والأهواء في هذا حرفوا الكلم عن مواضعه، فإن "هذه التأويلات من باب تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في آياته"٧. ولهذا فإن "تأويل هؤلاء المتأخرين عن الأئمة تحريف باطل"٨.
_________
١ مجموع الفتاوى (٣/٣٥) .
٢ الصفدية (١/١٢١)، وانظر: مجموع الفتاوى (٣/٣٥ – ٣٧)، درء تعارض العقل والنقل (٦/١٧٦ – ١٧٧) .
٣ مجموع الفتاوى (٣/٣٦) .
٤ الجواب الصحيح (٣/٢١١) .
٥ منهاج السنة النبوية (٢/٥٥٤)؛ وانظر: بيان تلبيس الجهمية (١/٤٤٤) .
٦ مجموعة الرسائل الكبرى (٢/١٧٠) .
٧ درء تعارض العقل والنقل (٥/٣٨٣) .
٨ مجموع الفتاوى (١٣/٢٩٥) .
1 / 23
ولا يلحدون في أسماء الله وآياته،
طريق أهل السنة والجماعة سالمة أيضًا من الإلحاد في أسماء الله، وصفاته، وآياته، وذلك أن "الإلحاد يقتضي ميلًا عن شيء إلى شيء بباطل"١، ويكون ذلك بحمل أسماء الله، وآياته "على ما يعلم بالاضطرار أنه خلاف مراد الله، ورسوله"٢، فإن "كل من اعتقد نفي ما أثبته الرسول حصل في نوع من الإلحاد بحسب ذلك"٣.
وقد ذم الله – تعالى – "الذين يلحدون في أسمائه وآياته، كما قال –تعالى-: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وقال – تعالى –: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شئْتُمْ﴾، [فصلت: ٤٠] "٤.
والإلحاد في أسماء الله – تعالى – أنواع:
"أحدها: أن تسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم، وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبًا.
الثالث: وصفه بما يتعالى عنه، ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود: إن الله فقير.
الرابع: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها.
خامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى عما يقول المشبهون علوًا كبيرًا"٥.
_________
١ مجموع الفتاوى (١٢/١٢٤) .
٢ التسعينية (١/١٧٢) . وانظر: مجموع الفتاوى (١٧/٤٣٣) .
٣ درء تعارض العقل والنقل (١٠/٢٧٠) .
٤ مجموع الفتاوى (٣/٣ – ٤) .
٥ بدائع الفوائد لابن القيم (١/١٥٣-١٥٤) مختصرًا، وانظر: مدارج السالكين (١/٣٩) .
1 / 24
ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، لأنه – سبحانه – لا سمي له، ولا كفو له، ولا ند له.
طريق أهل السنة والجماعة سالم من التكييف، والتمثيل، لأنه – ﵎: "لا مثل له، ولا سمي، ولا كفو. فلا يجوز أن يكون شيء من صفاته مماثلًا لشيء من صفات المخلوقات، ولا يكون المخلوق مكافئًا، ولا مساميًا له في شيء من صفاته – سبحانه –"١، فإنه – جل وعلا – نزه "نفسه عن النظير باسم الكفء، والمثل، والند، والسمي"٢.
وقد "نطق القرآن بنفيه عن الله في مواضع كقوله: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا﴾ [البقرة: ٢٢] "٣.
وفي هذه الآيات "نفي للشركاء، والأنداد، يدخل فيه كل من جعل شيئًا كفوًا لله في شيء من خواص الربوبية مثل خلق الخلق، والإلهية كالعبادة له، ودعائه، ونحو ذلك"٤، وفيها أيضًا نفي "المثل، والكفو، والند، والشريك، والعديل ولو من بعض الوجوه، وهذا هو الحق، وذلك؛ لأن المخلوقات- وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه في مثل معنى الموجود، والحي، والعليم، والقدير- فليست مماثلة له بوجه من الوجوه، ولا مكافئة، بل هو – سبحانه – له المثل الأعلى في كل ما يثبت له، ولغيره، ولما ينفى عنه، وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء، ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفاتها، ما لا يعلمه إلا الله"٥.
_________
١ مجموع الفتاوى (٦/٥١٦) .
٢ الجواب الصحيح (٢/١٨٥) .
٣ بيان تلبيس الجهمية (١/٥٤٣) .
٤ مجموع الفتاوى (٢/٤٤٩) .
٥ بيان تلبيس الجهمية (٣/٢٦٠) مخطوط.
1 / 25