169

شرح العقيدة الواسطية للهراس

الناشر

دار الهجرة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤١٥ هـ

مكان النشر

الخبر

تصانيف

وَأَمَّا الْإِرْجَاءُ الَّذِي نُسِبَ إِلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُوَافِقُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يعذِّب مَن يعذِّب مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بِالنَّارِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ نطقٍ بِاللِّسَانِ، وَعَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَفْرُوضَةَ وَاجِبَةٌ يستحقُّ تَارِكُهَا الذمَّ وَالْعِقَابَ؛ فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِرْجَاءِ لَيْسَ كُفْرًا، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا بَاطِلًا مبتَدعًا؛ لِإِخْرَاجِهِمُ الْأَعْمَالَ عَنِ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا الْوَعِيدِيَّةُ؛ فَهُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ عَقْلًا أَنْ يعذِّب الْعَاصِيَ؛ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُثيب الْمُطِيعَ، فَمَنْ مَاتَ عَلَى كَبِيرَةٍ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ، وَمَذْهَبُهُمْ باطلٌ مخالفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ (١) .
وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ الْأَحَادِيثُ فِي خُرُوجِ عُصَاةِ الموحِّدين مِنَ النَّارِ وَدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ.
فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وسطٌ بَيْنَ نُفَاةِ الْوَعِيدِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَبَيْنَ مُوجِبِيهِ مِنَ القدريَّة، فمَن مَاتَ عَلَى كبيرةٍ عِنْدَهُمْ؛ فَأَمْرُهُ مفوَّضٌ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ؛ كَمَا دلَّت عَلَيْهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ.
وَإِذَا عَاقَبَهُ بِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُدُ خُلُودَ الْكُفَّارِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

(١) النساء: (٤٨، و١١٦) .

1 / 189