شرح العقيدة الواسطية للهراس
الناشر
دار الهجرة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤١٥ هـ
مكان النشر
الخبر
تصانيف
تَعَالَى:
﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم﴾ (١) .
وَقَدِ اختُلف فِي تَسْبِيحِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ؛ هَلْ هُوَ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْمَقَالِ؟ وَعِنْدِي أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم﴾؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَسْبِيحَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ؛ لَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا، فَلَا يصحُّ الِاسْتِدْرَاكُ.
وَقَدْ قالَ تَعَالَى خَبَرًا عَنْ داودَ ﵇:
﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ﴾ (٢) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي ...﴾ إِلَخْ؛ فَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ مَعْنَى ﴿تَبَارَكَ﴾ مِنَ الْبَرَكَةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ سَبْقُ النَّقْصِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ تجدُّد الْكَمَالَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ التَّابِعَةِ لِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَإِنَّهَا تتجدَّد فِي ذَاتِهِ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، فالخلوُّ عَنْهَا قَبْلَ اقْتِضَاءِ الْحِكْمَةِ لَهَا لَا يعتبرُ نَقْصًا (٣) (*) .
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّبَارُكُ بِالثَّبَاتِ وَعَدَمِ التغيُّر، وَمِنْهُ سمِّيت البِرْكَة؛ لِثُبُوتِ مَائِهَا. وَهُوَ بَعِيدٌ.
_________
(١) الإسراء: (٤٤) .
(٢) ص: (١٨، ١٩) .
(٣) قال الشيخ صالح الفوزان في شرحه لـ «الواسطية» (ص٧٢): «تبارك: فعل ماضٍ مأخوذ من البركة، وهي النماء والزيادة المستقرة الثابتة الدائمة، وهذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه، ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي» . اهـ
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
أطال ابن القيم في «جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام»، البحث في لفظ «تبارك» ومما ذكره في ذلك قوله: «قال أبو صالح عن ابن عباس ﵁» تبارك «بمعنى تعالى، وقال أبو العباس:» تبارك «: ارتفع، والمتبارك: المرتفع، وقال ابن الأنباري:» تبارك «بمعنى: تقدس، وقال الحسن:» تبارك «: تجنى البركة من قبله، وقال الضحاك:» تبارك «: تعاظم، وقال الخليل بن أحمد: تمجد، وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته وبارك فيمن شاء من خلقه، وهذا أحسن الأقوال. فتباركه سبحانه صفة ذات له، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل»، ولو سلك المؤلف هذا المسلك لأجاد. إسماعيل الأنصاري. [ص ٨١]
1 / 133