الإيمان بالقدر من تمام توحيد الله
قال رحمه الله تعالى: (والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته) أي: ذلك من الاعتراف بتوحيد الله وربوبيته، ومن هذا نعلم أن من تمام التوحيد -توحيد الربوبية- أن يؤمن الإنسان بالقدر، فمن ضل في مسألة القدر فإنه لم يحقق الإيمان بتوحيد الربوبية؛ لأن من توحيد الربوبية الإيمان بأن الله خالق، وأنه مالك، ولابد للخلق والملك من قدرة ومشيئة وعلم.
قال ﵀: (كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:٢]) خلق كل شيء فقدره ﷾ تقديرًا محكمًا، وتأكيد التقدير هنا بالمصدر توكيد للمعنى، وأنه بقدر، وأنه ما من شيء مخلوق إلا بقدر الله جل وعلا، قال ﷾: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب:٣٨] .
(أمر الله) أي: مأموره ﷾، وهنا فائدة: أن المصادر التي تضاف إلى الله ﷿ قد تضاف على جهة الصفة ويقصد بها مسمى الصفة، وقد يرد المصدر ويُراد به مفعول تلك الصفة، فقول الله ﷿: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان:١١] (خلق الله) المشار إليه هنا هو المخلوق، فأطلق المصدر على مفعول الصفة، فيطلق المصدر في لغة العرب كثيرًا ويُراد به المعمول المفعول لتلك الصفة، كما قال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل:١] هل الذي أتى هو صفة الله ﷿ أو مفعول الصفة؟ مفعول الصفة، (أتى أمر الله) أي: أتى مأمور الله، أي: مخلوق الله الذي قضاه ﷾، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب:٣٨] أي: كان مأمور الله ﷾، أي: ما أمر به ﷾ وقضى بخلقه (قدرًا مقدورًا) أي: قدرًا محددًا لا يتجاوز ما حدد ولا يتعدى ما قضى ﷾.
وبهذا ينتهي ما ذكره المؤلف في هذا المقطع من كون الإيمان بالقدر من لوازم الإيمان وأصول المعرفة، ومن لوازم الاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته.
11 / 6