114

شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح

تصانيف

علم الله السابق بمصائر خلقه
والمؤلف سلك ذلك المسلك حيث قرر -في أول تقرير مسائل القدر- علم الله جل وعلا السابق لكل شيء، قال ﵀: (وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص) .
وهذا دل عليه أحاديث كثيرة.
أولًا: إثبات علم الله السابق للأشياء أدلته أكثر من أن تحصر، فإن الله جل وعلا قد خلق كل شيء بقدر، ومن لازم تقديره العلم كما قال جل وعلا: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:٤٩]، وكما قال ﷾: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:٢] فإن من لازم إثبات القدر إثبات العلم، وأدلة إثبات العلم كثيرة كما تقدم شيء منها في الدروس السابقة.
وأما علم الله ﷿ الخاص الذي ذكره المؤلف ﵀ -وهو علمه ﷾ بعدد أهل الجنة، وعدد أهل النار، وأنه قد فرغ من ذلك فلا يزاد في العدد ولا ينقص- فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها: ما رواه مسلم من حديث عائشة: (أن النبي ﷺ دعي إلى جنازة صبي من الأنصار فقالت عائشة ﵂: طوبى له عصفور من عصافير أهل الجنة، لم يعمل سوءًا ولم يدركه.
فقال لها رسول الله ﷺ: أوغير ذلك يا عائشة -يعني: أوغير هذا الكلام- فإن الله خلق الجنة وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم) فدل ذلك على أن أهل الجنة وأهل النار قد فرغ منهم، يعني: العلم بهم قد تم واستقر قبل أن يخلقهم.
وقد جاء في الحديث: (أن النبي ﷺ خرج على أصحابه بكتابين فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: هذا كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم، وهذا كتاب فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم) .
وقد سأل النبي ﷺ الصحابة فقالوا: (يا رسول الله! أخبرنا كأنا خلقنا اليوم -يعنى: أخبرنا عن هذا الأمر- عن العمل أنعمل أو العمل فيما جرت به الأقلام، وفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال: بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير.
ثم قال السائل: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال ﷺ: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، وهذا يدل على أن أهل الجنة قد قضي الأمر فيهم، وأهل النار كذلك، فقد سبق علم الله جل وعلا بما يكون من الخلق.

10 / 6