وإذا أقمنا الدليل من الكتاب والسنة مع الإجماع زادت المسألة قوة في النفس، لتعدد الأدلة.
قال النبي ﷺ «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى، فليمسحه، وليصلِّ فيهما» (١).
وكذلك البول نجس بالاتفاق (٢)، وجاء عن أبي هريرة أنه قال: إن أعرابيًا بال في المسجد فقام إليه الناس، فقال لهم رسول الله ﷺ: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» (٣).
واختلفوا في بول الذكر الرضيع، والصحيح أنه نجس أيضًا إلا أن الشارع خفف في طهارته تخفيفًا على الأمة، لحديث أم قيس ﵂: «أنها أتت بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام فبال في حجر رسول الله ﷺ، فدعا رسول الله ﷺ بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلًا» (٤)
ومعنى نضحه: أي رش عليه الماء بدرجة لا تصل إلى الجريان.
وفي حديث علي: قال رسول الله ﷺ: «يُنضح بول الغلام ويُغسل بول الجارية» (٥).
وهذا لا يدل على طهارة بول الغلام، فلو كان طاهرًا لما أُمرنا بنضحه، واختلاف كيفية التطهير للنجس غير موجبة لخروجه عن النجاسة، كتطهير النعلين مثلا من الأذى، وتطهير الثوب من دم الحيض، فإنهما لما اختلفا لم يوجب هذا أنهما غير نجسين.
ثم قال المؤلف ﵀: (ولُعابُ كلبٍ)
_________
(١) أخرجه أحمد (١٧/ ٢٤٢)، وأبو داود (٦٥٠) وغيرهما.
وأما حديث أبي هريرة ﵁: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور»، فضعيف؛ رواه جمع عن الأوزاعي قال: نبئت عن سعيد بن أبي سعيد ... إلخ، وخالفهم محمد بن كثير فذكر المبهم وهو محمد بن عجلان، ولكن ابن كثير منكر الحديث، فالصواب رواية الجماعة، فالإسناد ضعيف. وله طرق أخرى ضعيفة انظرها في «البدر المنير» (٤/ ١٢٧).
(٢) قال ابن المنذر: «وأجمعوا على إثبات نجاسة البول».
«الإجماع» (ص ٣٦)، وتقدم ما قاله ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص ١٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢٢٠).
(٤) أخرجه البخاري (٢٢٣)، ومسلم (٢٨٧) عن أم قيس بنت محصن.
(٥) أخرجه أحمد (٢/ ٧) رقم (٥٦٣)، وأبو داود (٣٧٧)، والترمذي (٦١٠)، وابن ماجه (٥٢٥) عن علي بن أبي طالب ﵁.
1 / 19