عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين
الناشر
مكتبة العبيكان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
خطيرة حيث سيطر الناقمون على عثمان على المدينة، وأفلت الأمر من يد كبار الصحابة، ولم تعد ثمة سلطة عليا تحكم الدولة الإسلامية، وقد سعى الناقمون إلى تولية عبد الله بن عمر، وهددوه بالقتل إن لم يرض، ولكن لم يجدوا منه إلا صدودًا (١). "فأدركوا أن أمر الخلافة بيد أهل المدينة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر، وأن الناس تبع لهم في ذلك" (٢).
وقد بادر الناس إلى علي ليبايعوه، فأظهر رغبته عن الخلافة في تلك الظروف "والله إني لأستحي أن أبايع قومًا قتلوا رجلًا قال فيه رسول الله ﷺ: (ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة)، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يُدفن بعد" فانصرفوا. فلما دُفن عثمان ﵁ أتوه مرة أخرى وسألوه البيعة وقالوا: لابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحدًا أحق بها منك. فقال لهم علي: لا تريدوني. فإني لكم وزير خير مني لكم أمير. فقالوا: لا والله ما نعلم أحدًا أحق بها منك.
وهنا تفتق ذهن علي ﵁ عن وسيلة تجعله يتلقى البيعة علنًا من المسلمين عامة دون أن يبايعه الناقمون بيعةً خاصة، فقال لنفسه- كما صرَّح فيما بعد-: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. وقال لهم: "فإذا أبيتم علىَّ، فإن بيعتي لا تكون سرًا، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني" فخرج إلى
_________
(١) أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة ٢: ٨٩٥، وابن سعد: الطبقات الكبرى ٤: ١٥١، وأبو نعيم: حلية الأولياء ١: ٢٩٣ جميعهم عن الحسن البصري بإسناد صحيح.
(٢) عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي بن أبي طالب ص ٩٢ (رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بإشرافي). وراجع البخاري: الصحيح (فتح الباري ١٢: ١٤٤ - ١٤٥)، وأحمد: المسند ١: ٣٢٣ بإسناد صحيح (ط. أحمد شاكر)، والبلاذري: أنساب الأشراف ٢: ٣٥ ب.
1 / 59