193

موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

الناشر

دار المكتبي-سورية-دمشق-الحلبوني

رقم الإصدار

الثانية ١٤٢٦ هـ

سنة النشر

٢٠٠٥ م.

مكان النشر

جادة ابن سينا.

تصانيف

إنّ موضوعَ العدوى قد بيَّنه النبيُّ ﵊ قَبْلَ أكثرَ من أربعةَ عشرَ قرنًا، ففي صحيحِ البخاريِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "لاَ عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ"، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا بَالُ إِبِلي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأَْتِي الْبَعِيْرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ "، النبيُّ ﵊ الذي لا ينطقُ عن الهوى، وكلامُه وحيٌ يوحَى، يقول: "لا عَدْوَى"، والعدوى ثابتةٌ، ألم يقلْ في حديثٍ آخرَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا"، لماذا؟ من أجلِ العدوى، وإنّ أَحْدَث بحثٍ في علمِ الجراثيمِ مفادُه أنه لا عدوى، فالجرثومُ قد ينتقلُ من مريضٍ إلى صحيحٍ، ولا يمرضُ الصحيحُ، وقد ينتقلُ من صحيحٍ إلى صحيحٍ؛ فيمرضُ الصحيحُ الثاني، وقد ينتقلُ من مريضٍ إلى صحيحٍ فتسبِّبُ هذه الجرثومةُ للصحيحِ مناعةً يزدادُ بها قوةً، وقد ينتقلُ من صحيحٍ إلى صحيحٍ أولٍ، وثانٍ، وثالثٍ، ورابعٍ، وخامسٍ، وعاشرٍ، فيصابُ الصحيحُ العاشرُ.
فحينما قالَ النبيُّ ﵊: "لا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ"، أي: إنّ العدوى لا تمرضُ، ولكنّ العدوى تهيِّئ أسبابَ المرضِ، هذا معنى قولِ النبيِّ ﷺ، وهو في منتهى الدقَّةِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ"، فِرَّ منه، ليس في هذا الحديثِ تناقضٌ أبدًا، العدوى وحْدَها لا تمرضُ، ولكنَّ العدوى تهيىء أسبابَ المرضِ.

1 / 192