136

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية

تصانيف

والمادية ترى أسبقية المادة على الإنسان بكل نشاطاته، وهي تمنح العقل مكانة تالية على المادة. ولذا، ليس للعقل أية فعالية سببية، ووجوده ليس ضروريًا لاستمرار حركة المادة في العالم. وتُقر نظرية المعرفة المادية (في مراحلها الأولى) بإمكانية قيام المعرفة، فالعالم قابل لأن يُعرَف لأنه مُعطَى لإحساسنا ووعينا، بل إن مادية العالم هي شرط لمعرفته. ولمعرفة هذا العالم، لا يحتاج الإنسان إلى استعارة وسائل من خارج عالم الطبيعة/المادة؛ فهناك أولًا حواسه الخمس التي ترصد المحسوسات، وهناك عقله الذي يرتب ويُركِّب المحسوسات ولكنه غير منفصل عن الوجود المادي الحسي - فالمعرفة هي انعكاس الواقع الخارجي في دماغنا عبر إحساساتنا وتراكم المعطيات الحسية على صفحة العقل البيضاء. ويمكن للإنسان أن يكتسب المزيد من المعرفة من خلال التجريب ومراكمة المعلومات في ذاكرته. وفي بعض أشكال المادية، لا توجد حدود للمعرفة، فكل ما هو موجود قابل لأن يُعرَف، أما التساؤلات الميتافيزيقية فهي ليست موجودة أو ليست موضوعًا للمعرفة.
والمادة لا تسبق العقل وحسب وإنما تسبق كل ما هو إنساني، فهي مثلًا تسبق الأخلاق (ولذا فإن الأخلاق تُفسَّر تفسيرًا ماديًا ووفقًا لقانون طبيعي)، فمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة هو الذي يتحكم في الأخلاق الإنسانية تمامًا مثلما تتحكم الجاذبية في سقوط التفاحة. ولذا، تنادي المذاهب الأخلاقية المادية بأن الشيء الوحيد الذي يجدر بالإنسان أن يسعى إليه هو الخيرات المادية التي تجود بها الحياة. وثمة قيم أخرى في النظام المادي، ولكنها قيم مادية مثل البقاء والنمو والحركة. وإذا كانت القوة هي الآلية التي يتم بها حسم الصراع في عالم الطبيعة، فهي تصبح بالتالي الآلية الأخلاقية المادية الكبرى.

1 / 136