موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية
الناشر
موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net
تصانيف
٢ـ الطريق الثاني في النهي عن الفرقة هنا: بيان سبب تفرق أهل الكتاب ليحذر المسلم ولا يسلك سبيلهم. فلقد وردت النصوص الكثيرة التي تذكر اختلاف أهل الكتاب في الدين وتفرقهم عن الحق وأن هذا الاختلاف والتفرق لم يكن عن جهل منهم للحق ولم يكن قصور في التبليغ بل بلغوا وبين لهم أتم البيان وجاءتهم الحجج الواضحات وقامت عليهم البراهين الساطعات بالحق المبين من رب العالمين ولكنهم استكبروا وأعرضوا عن الحق بغيا وعدوانا وظلما، ولقد أعمتهم الدنيا عن رؤية الحق وأطغاهم طلب الملك وحب الرياسة عن العدل واتباع دين الله ﷿ فكان حالهم أن تنكبوا الطريق وحادوا عن الصراط المستقيم ووقعوا في الفرقة والاختلاف (١).
يقول المولى الكريم سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: ٢١٣] ونصب بغيا على معنى المفعول له فالمعنى: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي لأنهم عالمون بحقيقة الأمر في كتبهم (٢).
ويخبرنا الله تعالى بما أعطى بني إسرائيل من الدلائل والحجج الواضحات والنعم السابغات فيقول: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون [الجاثية:١٦ - ١٧]. فانظر رعاك الله ما أنعم الله على بني إسرائيل وما أعطاهم من الدلائل التي تهديهم إلى الحق وتجمعهم وتعليهم وتوصلهم إلى رضوان الله ومع ذلك أعرضوا وأقبلوا على الدنيا فتنافسوها فأهلكتهم وبغى بعضهم على بعض فاختلفوا وتفرقوا (٣)
والآيات في هذا الباب كثيرة، وعلى المسلم أن يعتبر بمن كان قبلنا ولا يجعل الدنيا تصده عن دين الله ولا حب الرياسة وإتباع الهوى يلهيه عن ذكر الله، وليعلم أن النجاة في العمل بما أمر الله وأمر رسوله ﷺ وأن الضلال في الإعراض عن اتبعاهما والخروج عن طاعتهما.
_________
(١) انظر «تفسير الطبري» (٢/ ١٩٦).
(٢) انظر: «زاد المسير» لابن الجوزي (١/ ٢٣٠).
(٣) انظر «تفسير السعدي» (١/ ٢٦١).
1 / 35