جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة
الناشر
المكتبة العلمية بيروت
مكان النشر
لبنان
تصانيف
وعزفت١ نفسي عنها، وقد كنت أتمنى الشهادة، وأتعرض لها في كل جيش وغارة، فأبى الله ﷿ إلا أن يبلغني هذا اليوم، ألا وإني متعرض لها من ساعتي هذه، قد طمعت ألا أحرمها، فما تنتظرون -عباد الله- بجهاد من عادى الله، أخوفا من الموت القادم عليكم، الذاهب بأنفسكم لا محالة؟ أو من ضربة كف بالسيف؟ أتستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله ﷿، ومرافقة النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين في دار القرار؟ ما هذا بالرأي السديد! ".
ثم مضى فقال: "يا إخوتي إني قد بعت هذه الدار بالتي أمامها، وهذا وجهي إليها. لا تبرح وجوهكم، ولا يقطع الله ﷿ رجاءكم" فتبعه إخوته وقالوا: "لا نطلب رزق الدنيا بعدك، فقبح الله العيش بعدك: اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك" فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا.
"تاريخ الطبري ٦: ١٥، شرح ابن أبي الحديد م ١: ص٤٩٠".
١ انصرفت.
٢٥٣- خطبة خنثر بن عبيدة بن خالد:
وكان من "محارب" رجل يقال له: خنثر بن عبيدة بن خالد، وكان من أشجع الناس، فلما اقتتل الناس يوم صفين، جعل يرى أصحابه منهزمين، فأخذ ينادي:
"يا معشر قيس، أطاعة الشيطان آثر١ عندكم من طاعة الرحمن؟ ألا إن الفرار فيه معصية الله سبحانه وسخطه، وإن الصبر فيه طاعة الله ﷿ ورضوانه، أفتختارون سخط الله تعالى على رضوانه، ومعصيته على طاعته؟ ألا إنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبًا نفسه، ثم قال:
١ أفضل.
1 / 364