متساوية. ولكن إن شئت الحقيقة فإن طريق الطاغية مختصرة. الطاغية الذي يحكم عليك بالقتل؛ فلم نعرف طاغية قتل إنسانا في ستة أشهر، أما الحمى فكثيرا ما تستغرق عاما لكي تقتل. كل هذه الأشياء مجرد لغط وضجة أسماء فارغة» (المحادثات، 2-6). (2) مهرجان الوجود «ماذا بوسعي أن أفعل، أنا الرجل المسن الأعرج، سوى أن أكبر الله. لو كنت عندليبا لقمت بمهنة العندليب. ولو كنت تما لقمت بمهنة التم.
5
ولكني كائن عاقل، فينبغي أن أكبر الله. هذه مهنتي، وأنا مؤديها، ولن أتنحى عنها ما حييت.» وما هو بالهين هذا الدور الذي أؤديه؛ فإذا كان الكون كتابه والخلائق كلماته، فإن القراءة قراءتي والفهم فهمي والتأويل تأويلي. فحمدا لزيوس على أن دعاني إلى مهرجان الوجود، وجعلني مشاهدا للعرض الرائع، بل ومؤولا له. وماذا علي إذا صرفني بعد انقضاء مدتي المقدرة؟ لا شيء. سأغادر مرضيا، وأنصرف دون تلكؤ، وما أزال أرضى بقضائه حتى أجعل مقدوره إرادتي، ومحتومه اختياري. (3) عصا هرمس ... الإرادة الخيرة
عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه.
الإمام علي
الإرادة الخيرة تحول كل الشرور الخارجية إلى خير صميم ومادة لممارسة الفضيلة. هل تكالبت عليك المتاعب وتعاورتك الخطوب؟ هذه مناسبة لممارسة الصبر والجلد. هل أساء إليك جارك؟ تلك فرصة لتدريب وجدانك على العفو والصفح والإحسان. جرب هذا السلاح الجديد الذي يلقف كل الأسلحة المضادة، ويرد إليك عدو الأمس صديقا مخلصا ووليا حميما.
هذه هي «عصا هرمس» السحرية التي تحول كل شيء تمسه إلى ذهب. «إذا ألم بي أي شيء من هذه الأشياء فما زال بوسعي أن أفيد منه خيرا» (المختصر، 18). هات ما شئت ولسوف أحيله إلى خير: المرض، الموت، الفقر، السب، السجن؛ كل أولئك يصير مادة لعمل الإرادة، تستخلص منه الخير وتصنع منه السعادة!
لقد تعرض إبكتيتوس في مستهل حياته لأبلغ ضروب القسوة والغلظة، ورأى الفساد والطغيان رأي العين، فما استكان لما لاقى ولا جزع، بل استخلص منه حكمة وورعا بسطا ظلهما على عصره وأصبحا مضرب الأمثال في كل العصور: «بم ينبغي على المرء أن يتسلح في مثل هذه الظروف؟ أيكون بشيء آخر غير التمييز بين ما لي وما ليس لي؟ بين ما بوسعي وما ليس بوسعي؟ ينبغي أن أموت، ولكن هل يعني ذلك أنني ينبغي أن أموت نائحا؟ ينبغي أن أصفد بالأغلال، ولكن هل ينبغي أيضا أن أئن وأعول؟ ينبغي أن أنفى، ولكن من ذا الذي يمنعني من أن أذهب إلى المنفى مبتسما منشرحا وادعا؟!» (المحادثات، 1-1). «المرض إعاقة للبدن، ولكن ليس للإرادة، إلا إذا شاءت الإرادة ذلك. العرج إعاقة للأرجل وليس للإرادة. وقل الشيء نفسه عن كل شيء يحدث، فلسوف تجده إعاقة لشيء آخر، ولكن ليس لك أنت» (المختصر، 9). أرني رجلا برغم المرض فهو سعيد، وبرغم الخطر فهو سعيد، وبرغم السجن فهو سعيد، أكن قد رأيت رواقيا.
خلاصك وتلفك كلاهما يقبع داخلك. كلاهما قرارك الخاص. «سدة القضاء عالية وغيابة السجن واطئة. غير أن بوسع الإرادة أن تبقى متكافئة إذا اخترت لها ذلك في الحالين، وستكون سقراطا
6
صفحة غير معروفة