فهكذا جبل جميع المخلوقات: أن يتجنبوا أو يفروا مما يبدو لهم ضارا وما يبدو سببا للضرر، وأن يلتمسوا أو يعجبوا بما يبدو نافعا أو جالبا للمنفعة. من الصعب إذن على شخص يرى أنه يضار أن يبتهج بما يراه سببا للضرر، مثلما أنه من الصعب أن يسر بالضرر نفسه.
لذا فحتى الأب يساء بابنه إذا لم يقاسمه ما يبدو خيرا. وهذا ما جعل بولينيسيس
وإتيوكليس
Eteocles
عدوين أحدهما للآخر؛ إذ حسب كلاهما أن الملك خير.
لهذا السبب أيضا يلعن الزارع الآلهة، وكذلك الملاح، والتاجر، وأولئك الذين يفقدون زوجاتهم وأبناءهم. فحيثما كانت المصلحة كانت التقوى!
وعلى ذلك، فإن كل من يهتم بشأن الرغبة والنفور ويضع كلا منهما في نصابه الصحيح يكون قد اهتم بالتقوى أيضا. على أنه من الواجب كذلك على الجميع الإراقة للآلهة وتقديم البواكير والأضحية وفقا لسنن الأسلاف، بصفاء ومن غير رثاثة ولا إهمال ولا شح ولا إفراط. (32) الكهانة
إذا لجأت إلى الكهانة، فتذكر أنك لا تعرف ما سوف تسفر عنه، بل جئت لتستفتي الكاهن. غير أنك تعرف مقدما أي صنف هو من النبوءة إذا كنت ذا عقل فلسفي؛ ذلك أنه إذا كان من بين تلك الأشياء التي ليست في قدرتك فمن المتيقن أنه ليس خيرا ولا شرا. إذن لا تجلب معك إلى الكاهن رغبة ولا نفورا، وإلا فإنك تدنو منه خائفا وجلا. فأما وقد اطمأن عقلك بأن كل ما سيجري سيكون «غير فارق»
indifferent
ولن يضيرك شيئا كيفما كان، ما دمت قادرا على أن تستخدمه استخداما صحيحا، وهذا ما لا يملك أحد أن يصدك عنه، فلتقبل على الآلهة إذن بثقة لتلقي المشورة. ولتذكر بعد ذلك، عندما تتلقى النصيحة، أي ناصحين اتخذتهم، ونصيحة من تلك التي تعصيها إن عصيت. أقبل إلى الكهانة، مثلما أوصى سقراط، في الحالات التي يكون فيها الاعتبار كله متعلقا بالحدث، ويكون فيها العقل والخبرة عاجزين تماما عن كشف الأمر المعني. أما إذا كان واجبك أن تشاطر صديقك أو وطنك خطرا محدقا، فإن عليك ألا تستشير الكاهن أينبغي أن تشاطر أم لا. فحتى إذا أنبأك الكاهن أن النذر نحس، فمن البين أن ذلك لا يخرج عن أن يكون إشارة إلى الموت أو العاهة أو النفي. غير أن بنا عقولا، وهي تهيب بنا حتى في هذه الأخطار، أن نقف إلى جانب صديقنا ووطننا. واذكر في ذلك نبأ العراف الأكبر البيثيادي، الذي ألقى من المعبد ذلك الرجل الذي تقاعس عن إنقاذ صديقه حينما كان يغتال.
صفحة غير معروفة