وكان إذا نزل جبريل على النبي ﷺ بالوحي يتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد، فإذا كان على ناقة جثت الناقة، وأصاب عنقها الأرض من شدة ما يناله –﵊ عند نزول الوحي، فلا بد من الاختبار والامتحان في طلب العلم، فأول خطوة في الوحي أخذه جبريل فغطه حتى رأى الموت ﷺ، وآخر لحظة من الدنيا قال فيها: آه.. إن للموت لسكرات.
العلم ثقيل، العلم رسالة عظيمة تحتاج إلى جهاد، تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى كفاح، تحتاج إلى تحمل واحتساب الأجر، وهذا نبي الله وكليمه ونجيه موسى –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- الذي قال الله ﷿ فيه: «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» [طه:٣٩] . ما أعز الله شأنه ورفع ذكره وأصبح إمام بني إسرائيل في زمانه، إلا حين تعب وبذل في سبيل ذلك الجهد، يمشي على قدميه إلى مجمع البحرين قاصدًا الخضر ﵇ حتى أعيى، لم يستقر، ولم يهدأ له بال حتى يبلغ مكان العالم الذي ذكره الله له، الخضر ﵇: «لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا» [الكهف:٦٠] أي حياتي كلها أبد الآباد وأنا أسير في البحث عنه.
فمشى مع غلامه يوشع بن نون حتى بلغ منه التعب والنصب مبلغه.. «لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا» [الكهف:٦٢] . فرأى علامة مكان الخضر عندئذٍ، ولذلك قالوا: على قدر المشقة تكون من الله المعونة والمؤنة.
1 / 43