Alexandre Kojive - الذي انتقلت على يديه الهيجلية إلى فرنسا: «إن خطاب هيجل يستنفد كل إمكانات الفكر، فلا يمكننا أن نعارضه بأي خطاب دون أن ينتهي هذا الخطاب إلى أن يشكل جزءا منه أو أن يعيد صياغة فقرة من النسق باعتباره عنصرا مؤسسا «للحظة» من المجموع.»
85
وأفضل دليل على هذا الغرور الهيجلي ما ردده إريك فيل من أن هيجل كان ينوي أن يضع للفلسفة نقطة النهاية.
86
والحق أن هذه الرؤية سواء أكانت منطلقة من هيجل، أم من تلامذته وشراحه، لا يمكن أخذها على محمل الجد؛ إذ هي ليست إلا نوعا من الغرور البشري الساذج، ولا يمكن أن تفهم إلا في هذا السياق، بالإضافة إلى أن أي نقطة نهاية، سرعان ما ستتحول إلى بداية جديدة.
كانت البداية الجديدة التي وجدها فلاسفة ما بعد الحداثة في الهيجلية هي مفهوم الاختلاف أو بالتحديد التناقض. الطرف الثاني في معادلة الجدل الهيجلية؛ لقد احتل التناقض مكانة بارزة في النسق الهيجلي، بصورة ربما لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفلسفة. لكن المشكلة أن لحظة الاختلاف في هذا النسق سرعان ما تتحول إلى لحظة تطابق وهوية لتدخل في مركب واحد يتلاشى بداخله أي أثر للاختلاف والتناقض. إنها لحظة التطابق بين الشيء ونقيضه، لحظة انتصار الهوية على الاختلاف، والوحدة على التعدد. إن التناقض عند هيجل يشكل جوهر الاختلاف وليس مجرد نمط من أنماطه، وهذا التناقض سرعان ما يرتد نحو التطابق «إن هذا الاختلاف يقحم عنوة داخل تطابق مسبق، فيقاد نحو منحدر التطابق الذي يحمله بالضرورة حيث يشاء، ويجعله ينعكس حيث يريد التطابق.»
87
يتعلق الأمر إذا بتحرير السلب من هيمنة الكل، إطلاق سراحه من داخل النسق، وعدم توقيف عمله بفعل أي تركيب، أو سجنه داخل منطق التعارض. الاعتراف به كآخر لا كنقيض. هذا الآخر قد يكون كتابة (دريدا) أو رغبة (دولوز) أو حمقى (فوكو). إنه «الانسياب اللانهائي للخارج» (بلانشو).
في كتابه حوارات يرى دولوز أن إحدى مهام الفلسفة الآن هي الإعلاء من قيمة السلب في الفكر، الجذمور أو العشب ضد الأشجار، آلة الحرب ضد آلة الدولة، التعددية ضد الشمولية، قوة النسيان ضد الذاكرة، الجغرافيا ضد التاريخ، الخط ضد النقطة. ويرى دولوز أنه لحل إشكالية الثنائية لا بد أن نحدث ثورة في مجال اللغة، أن نناضل ضدها، وأن نبتكر طرقا مختلفة للتعبير. فموطن الثنائيات هو اللغة «إن اللغة مؤسسة في عمقها على التقسيمات الثنائية: مذكر/مؤنث، مفرد/جمع، تركيب اسمي/تركيب فعلي.» وهكذا فنظرتنا للشيء ونقيضه تنطلق من داخل اللغة، إذا ينبغي تحرير اللغة من منطق التعارضات الثنائية «يمكننا دائما إضافة «ثالث» إلى «اثنين» ورابع إلى «ثلاث» ... إلخ .» وحتى في حالة وجود حدين فقط فهناك بين الحدين عناصر لا يمكن ضمها إلى أي منهما (المذكر والمؤنث والمخنث). ينبغي في نظر دولوز إحلال حرف العطف «واو» محل العلاقة «أو».
88
صفحة غير معروفة