دروب ما بعد الحداثة

بدر الدين مصطفى ت. 1450 هجري
111

دروب ما بعد الحداثة

تصانيف

Cendy Sherman

تتخذ من جسدها مادة للتصوير الفوتوغرافي في مشاهد مزيفة. بلا عنوان (1987م، 1990م، 1991م). •••

المجال الفني الثالث الذي تبرز فيه مقولات ما بعد الحداثة بقوة هو «السينما»؛ «فالسينما» هي الفن الذي يتمتع بشعبية لا محدودة، وهي بصورة أو بأخرى مرتبطة بالمنطق الرأسمالي - سواء على مستوى الإنتاج أو التوزيع، كما أنها تستخدم التقنيات الحديثة بصورة تفوق استخدام كل الفنون الأخرى لها، مما يجعلها في حالة تطور وتحول مستمرين. وبصفة عامة، نستطيع أن نلحظ حضور التيمات ما بعد الحداثية في السينما المعاصرة على مستويين؛ الأول: أفلام أراد صانعوها التعبير من خلالها عن قيم المجتمع ما بعد الحداثي، كالتجاور والاختلاف والتعددية، وعن التغيرات المتلاحقة التي أصابت المجتمع ما بعد الصناعي. والثاني: أفلام تنطلق من رؤى ما بعد حداثية للعالم، رؤى مفككة ومتشظية، تستند في الأغلب على الانتقاء، والمزج، والرؤية غير المنفعلة بالعالم، وغالبا ما تعتمد هذه الأفلام على توظيف التاريخ وتحويره لخدمة السياق العام للفيلم.

في نفس الوقت الذي كانت سينما الحداثة تمثل فيه اتجاها جديدا يحاول الهيمنة على الواقع السينمائي بدلا من سينما هوليود، بدأت مظاهر ثقافة ما بعد الحداثة في الظهور، وكانت إحدى معالمها الأساسية الثقافية الجماهيرية التي شملت التليفزيون وانتشار أفلام من نوع

B ؛ أي قليلة التكاليف، وموسيقى الروك آند رول، وأفلام الكارتون والمسلسلات التليفزيونية، وعرض أفلام هوليود القديمة على شاشة التليفزيون، وازدهار الإعلانات.

وقد مثلت هذه الثقافة إضافة إلى تاريخ سينمائي حافل، الخلفية الأساسية لمخرجي ما بعد الحداثة. وبدلا من أن يسعى المخرجون الجدد إلى هضم كل هذه المظاهر وخروج كل منهم بفكر خاص وأسلوب متميز، لجئوا إلى الاستعارة المباشرة من الأفلام الأمريكية والأجنبية، ومزج الأنواع المختلفة للفيلم، وابتعدوا إلى حد كبير عن الغموض الشديد الذي كان يميز أفلام الحداثة، وأصبحوا على اتصال أقوى بالجمهور العريض.

من المتغيرات الجديدة التي كان لها تأثير في ظهور سينما ما بعد الحداثة، ظهور نظرية استجابة القارئ، التي تقول إن كل متفرج أو قارئ يقرأ الفيلم بطريقة تختلف عن الآخر وأيضا عن الفكر الأصلي لصانع العمل، وبالتالي فهناك شبه استحالة في أن يصل المتفرج إلى ما كان يقصده المخرج أو صانع الفيلم بدقة. فهنا نرى أن ثقافة ما بعد الحداثة قد نقلت الاهتمام من المخرج إلى المتفرج.

إذا حاولنا أن نرصد أهم سمات سينما ما بعد الحداثة، فيمكن تحديدها في الآتي: (1)

المعارضة أو الاقتباس والكولاج من أعمال أخرى. فعلى سبيل المثال يستعير المخرج الأمريكي ديفيد لينش فيلم ساحر أوز كمرجعية أساسية في معظم أفلامه. كما يقوم بمزج الأنواع الفيلمية مثل الفيلم الأسود، وأفلام الطريق، والرعب، والميلودراما، والخيال العلمي، والأفلام السريالية، بالإضافة إلى الاقتباس والكولاج من أعمال أخرى. (2)

النوستالوجيا أو الباروديا أو المحاكاة الساخرة وهم حالتان متناقضتان تنتابان المشاهد عند مشاهدة أفلام ما بعد الحادثة نتيجة لاستخدام المعارضة أو التضاد، بمعنى محاولة استعادة تقاليد السينما الكلاسيكية بما تحمله من قيم أخلاقية وإنسانية، ووضعها في زمن معاصر. بالإضافة إلى ذلك تنتج الباروديا عن مقابلة أنواع فيلمية متضادة مثل الكوميديا والميلودراما أو إعادة تقديم مشاهد قديمة بشكل ساخر. (3)

صفحة غير معروفة