تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه سنة سبع وسبعين وسبعمائة فيها استمر غول الغلاء مقيما بالشام نازلا بمن معه من أعوان القحط وأنصار السام كاشرا عن أنياب النوائب ناشرا حبائل مصائد المصائب خارقا للعوائد مبديا أنواع الأزمات والشدائد ولقد جال بحلبة حلب وصال وقطع من الرفق والرفد أسباب الوصال وعظم أمره وطال عمره وسطا شجاعه وذمره واحتد لهبه واضطرم جمره وأجحف بالناس وخرج عن الحد والقياس وجعل الغني فقيرا وأهلك من الضعفاء والمساكين خلقا كثيرا وزاد إلى أن نقصت الأقوات وترادفت أمواج الأموات وارتفعت الأسعار وقبلت بينة الإعسار وتدرج القمح إلى أن بيع المكوك بمائتي درهم وحين وصول الرطل من الخبز إلى ثلاثة دراهم من يعقل ويفهم حتى قلت في ذلك لا تقم بي يوما على حلب الشه باء وارحل فأخضر العيش أدهم كيف لي بالمقام والخبز فيها كل رطل بدرهمين ودرهم تضاعف الارتفاع وتشتت شمل القوم بعد الاجتماع تفرقوا شذر مذر وجنحوا عند خلو السفر إلى السفر وذاقوا عذاب الجوع ونأوا عن اللحوم والهجوع وانكشف الستر وانهتك الحجاب وأقدموا على أكل الميتة والقطاط والكلاب كيف لا وقد بلغ المكوك من القمح إلى ثلاثمائة درهم وزيادة وانخرط الباقي من الأقوات والمطعومات من نسبة هذا السعر الذي لا يسمع بمثله في قلادة ولم تبرح الأحوال خاملة والمسرات زائلة ومسلة الجدب عائلة وعيون المبتهلين بالأدعية كألسنتهم
صفحة ١١٠