350

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

والأحاديث في هذا الشأن متكاثرة، والروايات في ترجيح ترك الولايات متظاهرة، وفي الأقل مما ذكرناه كفاية في صدع الأفئدة وتسعير نار الخوف الموقدة، لكنه لما اسحنككت (2) الظلمة، وانتهكت الحرمة، وامتدت الغمة، واشتدت الأزمة، وتعاظمت النوائب الملمة، وتفاقمت المصائب المدلهمة، وتصدر لهذا الأمر من ليس له بأهل، وتلاطمت أمواج الجور والجهل، ولمعت بوارق التلبيس، وطلعت طلائع التغرير والتدليس، كرت علينا الأنام كرة مالها مدفع، وأقبلوا علينا إقبالة لا يجدي فيها الإعذار ولا ينفع، وشهد علينا العلماء الأخيار، والفضلاء الأبرار، ومن يعتبر كلامهم غاية الاعتبار، ممن هممهم مقصورة على تقويم أمر الدين المريج، وليس لهم على جانب الدنيا تعويل ولا تعريج، بلزوم القيام لله، وتحتم الغضب لدين الله، وتلافيه قبل التلف بالكلية، وتداركه من ورطة الهلاك والبلية، وبأنا إن فرطنا في ذلك أسخطنا الرحمن وأرضينا الشيطان، ولم نكن من وبيل العقاب على أمان، منهم من شافهنا بذلك إسرارا وإعلانا، ومنهم من تواترت كتبه وحدانا وثنيانا، فحينئذ عيت بنا العلل، وضاقت علينا الحيل، وعرفنا أنها قد قامت الحجة علينا لله عز وجل، فإن وجوه الوجوب قد تظاهرت، وإن مرجحات الإقدام على الإحجام قد تكاثرت، وكفى بشهادة الطوائف من أهل الفضل والمعارف، فقد قال تعالى:?لتكونوا شهداء على الناس?[البقرة:143]، واعتبر صلى الله عليه وآله وسلم شهادة طائفة من أمته في أمر لا طريق لهم إلى معرفته مع تمكنه صلى الله عليه وآله وسلم من الاطلاع على جلة الأمر وحقيقته، نظرا إلى هذه الآية الكريمة القاضية للأمة بإحراز الشهادة العميمة، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال: «وجبت»، ثم مر عليه بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت»، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : «إن بعضكم على بعض شهيد»(1)، وفي رواية أخرى: فأثني عليها خيرا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «وجبت، وجبت، وجبت»، ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «وجبت، وجبت، وجبت»، فسأله عمر عن ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض»(2).

صفحة ٣٦٤