قلت: وذلك ظاهر عنهم ولا يبعد أن يكون مذهبا لأهل مذهبه كافة، وقد يؤول بهم هذا المذهب الشنيع في ظاهره على أن القصد ثبوت أحكام الإمام له بثبوت وجوب طاعته في غير معصية الله تعالى، ونفوذ أحكامه المطابقة لشرع الله، ونحو ذلك، لئلا يقع التنازع وانشقاق العصا وما يتفق من المفاسد لسبب ذلك، لا أنهم يقولون بأنه إمام في نفس الأمر ثابتة فيه أحكام الإمامة حقيقة.
قلت: ويؤخذ من مذهبهم أن الذي عليه أئمة الهدى من الخروج على الظلمة ومنابذتهم خطأ ولا يعتقدون إمامتهم، بل ليت أنهم سلموا ولم يتعاطوا ملامتهم، وما هو إلا مذهب شنيع ورأي فضيع، وتأوله بعيد، وتيسيره غير مفيد، فالله المستعان على زلات العلماء الأعلام الأعيان، ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم لما خاضوا في أمر الإمامة وتنازعوا إلى عد الفضائل، وصدر منهم ما يقضي باعتبار الأفضل، وقال عمر لأبي بكر لما قال بايعوا أحد الرجلين يعني عمر وأبا عبيدة: أتقول هذا وأنت حاضر.
ولأن المقصود من الإمامة إقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وحراسة الإسلام وصيانة الدين، فكيف يتهيأ مع جهل الإمام وفسقه؟! إنما كلامهم هذا رد للإمامة إلى حكم السلطنة والله أعلم.
واعلم: أنه لا بد من اعتبار ما يعتبر في العدالة من غير ما ذكر، وذلك تنزيه نفسه عن بعض المباحات كإفراط الضحك، وكثرة المداعبة والمزاح، والبول في السكك والشوارع، واللعب بالحمام، لأنه لا ينبغي أن يشتغل إلا بأمور الدين، والنظر في أحوال الناس، وقضاء حوائج المسلمين، ويجب أن يتنزه عن الصغائر المستخفة كما ورد في التطفيف بحبة، وسرقة بصلة، وإذا كان مثل هذا يعتبر في حق الشاهد، فاعتباره في حق الإمام أولى وأحرى.
صفحة ١١٠