تعريف عالم الجن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فحديثنا اليوم عن عالم الجن، وعلماء العقائد يلحقون الحديث عن الجن ببحث الملائكة، لأن هناك نوعًا من الشبه بين البحثين، وحتى يتميز الملائكة وهم عالم غيبي عن عالم الجن.
إن الحديث عن الجن أمر مقرر لا بد منه؛ لأن الله ﷾ أخبرنا بذلك والرسول ﷺ أخبرنا بذلك، فهو جزء من الغيب الحقيقي الذي يجب أن نؤمن به، فنحن مطالبون بأن نؤمن بالغيب لكن ليس غيب الخرافة والدجل، إنما الغيب الذي أخبرنا به الله ﷾: كالجنة، والنار، واليوم الآخر، والملائكة، ومن جملة ذلك عالم الجن.
ومما يوجب معرفة هذا العالم أن خفاءه وعدم معرفة الناس به معرفة حقيقية يوقع الناس في كثير من اللبس والخرافات والانحرافات التصورية والعقائدية كما سيتبين معنا في أثناء هذه الدراسة، وهذه الدراسة عن الجن تعتبر دراسة موسعة أرجو أن يكون من ورائها الخير إن شاء الله.
والجن عالم من العوالم التي خلقها الله ﷾، وهي مدركة عاقلة كالبشر، والعوالم العاقلة التي أخبرنا الله ﷾ بها ثلاث: البشر، والملائكة، والجن، وقد سموا جنًا لاجتنانهم؛ وهو الاستتار، فنحن لا نراهم كما قال الله ﷾: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف:٢٧]، وقد علمنا أن البشر خلقوا من طين، والملائكة من نور، أما الجن فقد خلقوا من نار.
والملائكة لم يخبرنا الله ﷾ في القرآن أنهم خلقوا من نور إنما أخبرنا النبي في الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم، أما الجن فقد جاءت نصوص كثيرة تبين المادة التي خلقوا منها، فقد قال جل وعلا: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر:٢٧]، وقال سبحانه: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن:١٥]، ومارج النار هو طرف اللهب، وبعض العلماء يقولون: مارج من نار، أي: من أحسن اللهب وأصفاه، ولكن الحقيقة أن (مارج من نار) هو اللهب المختلط بسواد النار كما فسره النووي ﵀.
2 / 2