دروس للشيخ عبد الله الجلالي

عبد الله الجلالي ت. غير معلوم
71

دروس للشيخ عبد الله الجلالي

تصانيف

خطورة الاستهزاء بالدين أو بحامليه السؤال ذكرت أن من الأسباب التي تثبت الإنسان على الدين: بعده عن قرناء السوء، وذكرت استهزاء بعض الناس به، فما توجيهك حول الاستهزاء بالشباب الصالحين؟ الجواب هذا الأمر من أخطر الأمور التي يبتلى بها من يضل عن الطريق، فالاستهزاء بدين الله أعظم ذنب في هذه الحياة، ولذلك سمى الله تعالى الذين يسخرون من المؤمنين أئمة الكفر، وأمر بقتالهم، فقال سبحانه: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ [التوبة:١٢]، وفي قراءة سبعية: (إنهم لا إيمان) فالذي يسخر من دين الله يكون من أئمة الكفر، وليس كافرًا فقط، ولذلك فالذين يسخرون من الدين ويقولون: انظر إلى لحية فلان، وانظر إلى ثوبه القصير، لا يعلمون أنّ هذه سنة الرسول ﷺ، فبسبب طول الأيام، والمشاكل التي أصابت المسلمين، والانحراف، والغفلة الطويلة، نسي المسلمون أن هذه سنة الرسول ﷺ، فصار بعضهم يسخر من ثوب الإنسان القصير، وما علم أن هذه سنة النبي ﷺ، وصار يسخر ويقول: انظر إلى فلان إذا أراد أن يصلي يمد ظهره، ويضع يديه، وانظر كيف يقبض نفسه، ولا يصلي إلا إلى سترة، وما علموا أنّ هذه كلها من سنة الرسول ﷺ، فهناك أمور كثيرة نسيها الناس وهي من سنة الرسول ﷺ، فلما أراد بعض إخواننا أن يحيي هذه السنة، ظن هؤلاء الناس أنهم قد ابتدعوا في دين الله. المهم يا إخواني! إذا وصل الأمر إلى السخرية من دين الله فهو عظيم وخطير، فإذا كانت السخرية من نفس الإنسان مصيبة، فما بالك بالسخرية من دين الله تعالى، وأنت حينما تسخر من إنسان اتسم بسنة الرسول ﷺ فإنما تسخر من السنة نفسها لا من ذات ذلك الإنسان، فيخشى أن يقع عليك هذا الوعيد: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة:١٢]؛ لذلك أقول: اتق الله يا من وقع في السخرية بهؤلاء المؤمنين! وهذا الأمر يحدث في أيامنا الحاضرة كثيرًا، بل أسمع بعض الآباء يسخرون من أبنائهم فيقولون في بعض الأحيان: ولدي موسوس، ولدي دخله الدين، ولدي فيه كذا، وهو في الحقيقة لا يسخر من ولده، وإنما يسخر من دين الله ﷿، فنحذر هؤلاء الناس من الوقوع في ذلك. وقد أخبرنا الله ﷿ أن هذا الصراع سنته في الحياة دائمًا وأبدًا، فالناس على صنفين: مجرم، ومؤمن، والساخر هو المجرم، والمسخور منه هو المؤمن، ولذلك يقول الله تعالى في سورة المطففين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين:٢٩ - ٣٠]: انظر إلى لحيته انظر إلى ثوبه انظر إلى شكله، مسكين هذا، وما عرف هذا الساخر أنه هو المسكين، وليس هذا المسكين ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [المطففين:٣٠ - ٣١]؛ أي: إذا ذهب إلى بيته يقول لزوجته: ولد فلان ما أدري هل أصيب في عقله؟! أراه الآن قد رفع ثوبه، وأرخى لحيته، وأصبح يتمسكن، فما أدري ما الذي حدث له؟! فيتفكه هو وأهله بولد فلان من الناس، أو حتى بولده، والله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾ [المطففين:٣٢ - ٣٣]، ثم تتغير هذه المعايير يوم القيامة، يقول الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ [المطففين:٣٤ - ٣٥]، ولذلك أقول: انتبهوا لهذا الأمر. وقد أخبرنا الله ﷿ في مكان آخر أن أهل النار يعتذرون إلى الله ﷿ فلا يقبل الله عذرهم، ويقول لهم: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون:١٠٩ - ١١١]، فنحتاج إلى صبر يا إخوان، لما تجد أباك أو أخاك يسخر منك، ويضحك منك، أو تجد إنسانًا آخر لا يخشى الله يسخر منك، فإن هذه السخرية مؤلمة للنفوس، فتحتاج إلى صبر، وهذا الصبر هو الذي يدخلك الجنة، وامتداد هذه السخرية هي التي تدخله النار، نعوذ بالله: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ). وكما أخبرنا الله ﷿ في القرآن في سورة الصافات: أن رجلًا كان له قرين كاد أن يفتنه في دينه، ويسخر من تدينه، وكاد أن يميل معه لولا أن الله تعالى ثبت أقدامه عن هذه المزلة، فإذا دخل الجنة بحث أين ذهب فلان؟ ويقول لجلسائه في الجنة: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات:٥١ - ٥٤] أي: يبحثون عنه ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات:٥٥]، فماذا يقول له؟ ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات:٥٦ - ٥٧]، يعني: بسخريتك وبأذيتك وبمخالطتك الخبيثة كدت أن تدخلني معك النار، ولولا أن الله رحمني لكنت معك، أي: أنه يطل عليه من شرفات الجنة، وذاك يتقلب في لهب جهنم. فالسخرية من المؤمنين أمر خطير، ومن ابتلي بمعصية فلا يسخرن ممن هداه الله ﷿ للفطرة، وأنا أقول لكم بهذه المناسبة: أنا أرى الثياب تجر في هذه البلاد أكثر من أي بلد آخر، فما أدري ما هو السبب؟ فإن كثيرًا من الشباب الذين لم يهتدوا بعد، أو عندهم بعض الصبوة يجرون ثيابهم، ويسخرون في بعض الأحيان من الشباب الذين يرفعون ثيابهم، وسنة الرسول ﷺ أنه يرفع الثوب عن الكعبين، وفي الحديث: (أزرة المسلم إلى نصف ساقه) وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، فأنا أحذر هؤلاء الشباب الذي يجرون ثيابهم، ويجعلونها تخط الأرض، أحذرهم من هذا الوعيد الشديد، ويقول الرسول ﷺ أيضًا: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟! قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فأولهم المسبل، ويقول رسول الله ﷺ: (من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فإذا رأينا من يجر ثوبه فعلينا أن نقول له: اتق الله، بل إن الرسول ﷺ رأى مرة رجلًا يجر ثوبه وهو يصلي فقال: (اذهب فأعد الوضوء) فاستدل بعض العلماء بهذا الحديث -وإن كان فيه شيء من الضعف- على أن الصلاة تبطل إذا كان المصلي مسبلًا إزاره خيلاء، فنعوذ بالله من ذلك.

2 / 24