247

دروس للشيخ ابن جبرين

تصانيف

خطؤهم في إطلاق البدعة في المسائل الخلافية
وهكذا الذين يجعلون المسائل الخلافية من البدع فهذا أيضًا خطأ، فإن الصحابة ﵃ اختلفوا في بعض المسائل ولم يبدع بعضهم بعضًا، فقد اختلفوا في مسائل كثيرة، وكان سبب اختلافهم الاجتهاد، وإذا بلغهم النص رجعوا إليه، إذًا: هم يجتهدون حيث لا يذكرون شيئًا من النصوص الدالة على الحكم في المسألة، وبهذا الاجتهاد يقع الاختلاف، سواء كان ذلك في الفرائض كاختلافهم في الجد والإخوة: هل يرثون مع الجد أم لا؟ أم كان في غير الفرائض، كاختلافهم في الطهارة: فيما يلزم غسله وما لا يلزم، واختلافهم أيضًا في بعض العبادات والمحرمات وما أشبه ذلك.
وهذه الخلافات إنما أداهم إليها اجتهادهم، ولا شك أن هذا من باب التوسعة على الأمة، حيث أوجدوا بذلك مجالًا للاجتهاد، فمن سلك سنة بعض الصحابة ﵃ فله قدوة، فلا يبدع ولا يضلل ما دام أن هناك من قال بهذه المقالة قبله، وباب الاجتهاد مفتوح؛ لقول النبي ﵊: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر)، فهذه من أنواع اجتهاداتهم.
وكذلك الأئمة من بعدهم كالأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فإنهم أيضًا وقع بينهم شيء من الاختلافات، فلا يقال: إن هذا بدعة وأن هذا مبتدع حيث خالف في هذا؛ لأن هذا كله إنما يتعلق بالفروع لا بالعقائد، فاختلافاتهم هذه من الاختلافات الفرعية التي أداهم إليها اجتهادهم، فلا يقال: إن هذا مبتدع، بل عليك أن تقول: هذا ما أدى إليه اجتهاده.
فإذا صليت مثلًا وراء إمام يتبع الشافعي ويجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية فلا تخطئه؛ لأن له قدوة وهو الإمام الشافعي ﵀، وإن كان الصواب مع الذين يسرون بها، ولكن هذا قول من الأقوال، وإذا صليت مثلًا وراء من يجلس جلسة الاستراحة فلا تقل هذه بدعة؛ لأنه قد روي فيها حديث، وإن كان قد أنكرها كثير من العلماء.
ولا تقل: زاد هذا في الصلاة أو أنقص منها أو ما أشبه ذلك، بل قل: هذا مجتهد وله حظه من الاجتهاد وله دليل تمسك به، وإن كان هذا الدليل محتملًا عند كثير من العلماء، وهكذا بقية المسائل الاجتهادية التي تحدث في كثير من العبادات، فمجالها واسع وهو الاجتهاد.

10 / 10