118

دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح

تصانيف

موقف الإمام أحمد ممن آذاه
أخرج الإمام أحمد من السجن ورجع إلى منزله، ولما جاءه الطبيب جعل يقطع من جسمه لحمًا ميتًا من أثر السياط، وكان قد مكث في السجن ثمانية وعشرين شهرًا.
ومن عظمة نفسه رحمة الله عليه أنه كان قد أحل من آذاه، إلا من كان صاحب بدعة حتى يرجع عن بدعته، أما المساكين الذين كانوا يجلدونه بالسياط فقد عفا عنهم، ولم يحمل في قلبه حقدًا ولا غلًا؛ لأنه لم يحتمل ذلك لأجلهم، وإنما كان يرى في ذلك ثباتًا على أمر الله ﷿، والتماسًا لثواب الله ﷾.
وكان يقول: ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك، تريد أن تقتص منه مرة أخرى، أو أن تقول: هذا الذي فعل كذا وكذا، وأن تغري به حتى يقع به الضر، ما هذه نفوس المؤمنين ولا النفوس الكبيرة التي تتعب الجسد معها وهي أعظم من هذه الأجساد.
ثم أيضًا قيل له: ادع على ظالمك، فقال: ليس بصابر من دعا على ظالمه.
هذه مراتب عالية عند الأنبياء فسؤالهم لله ﷿ لم يكن سؤالًا مباشرًا؛ لأنهم كانوا يستعظمون بعد نعمة الله ﷿ أن يسرعوا في الجزع وأن يلحوا في الدعاء، كما في قصة أيوب ﵇، وكما في قصة الخليل إبراهيم ﵇، ولذلك الإمام أحمد كان عندما يذكر ما حصل له كان يتلو: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:٤٠].

9 / 18