الدرر في اختصار المغازي والسير

ابن عبد البر ت. 463 هجري
80

الدرر في اختصار المغازي والسير

محقق

الدكتور شوقي ضيف

الناشر

دار المعارف

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٣ هـ

مكان النشر

القاهرة

أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى *. ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا رَاكِبًا نَاقَتَهُ، مُتَوَجِّهًا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ [بْنِ عَوْفٍ] فَصَلاهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي١، فَخرج إِلَيْهِ الرِّجَال مِنْ بَنِي سَالِمٍ، مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ وَيُقِيمَ، فَقَالَ: "خَلُّوا النَّاقَةَ ٢ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَنَهَضَ الأَنْصَارُ حَوْلَهُ حَتَّى أَتَى [دُورَ] بَنِي بَيَاضَةَ، فَتَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ ﵇: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى حَتَّى أَتَى [دُورَ] بَنِي سَاعِدَةَ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ ﷺ: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَدَعَوْهُ ﷺ إِلَى الْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى ﷺ حَتَّى أَتَى دُورَ [بَنِي] عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَلَقَّاهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو سَلِيطٍ يَسِيرَةُ٣ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى ﷺ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ ﷺ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدُ تَمْرٍ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمَا: سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَكَانَ فِيهِ وحواليه نحل وَخِرَبٌ وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ، فَبَقِيَ ﵇ عَلَى ظَهْرِهَا لَمْ يَنْزِلْ، فَقَامَتْ وَمَشَتْ قَلِيلا

* قَالَ الله ﷾: ﴿من أول يَوْم﴾ [فِي الْآيَة الْكَرِيمَة: ﴿لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ﴾] . قَالَ السُّهيْلي: [الرَّوْض الْأنف ٢/ ١١]: فِيهِ تَعْرِيض بِأَن التَّارِيخ الْمُخْتَص بِهَذِهِ الْأمة يكون مبدؤه الْهِجْرَة، وَفِيه أَيْضا تصويب لذَلِك، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿من أول يَوْم﴾ وَلَا يُرِيد سَائِر الْأَيَّام. وَلَيْسَ فِي الْآيَة مَا يعين يَوْمًا مَخْصُوصًا، فَلم يبْق إِلَّا صرفه لما وَقع بعد ذَلِك، كَأَنَّهُ قَالَ: من أول يَوْم من التَّارِيخ. قلت: وَهَذَا عِنْدِي تكلّف وتعسف وَخُرُوج عَن تَقْدِير الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين، فَإِنَّهُم قدروه: من تأسيس أول يَوْم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: من أول يَوْم وَقع التأسيس فِيهِ. وَهَذَا تَقْدِير تَقْتَضِيه الْعَرَبيَّة وَتشهد لَهُ الْآيَة، ويحققه اسْتِعْمَال هَذَا الْكَلَام فِيمَا لَيْسَ مبدأ للتاريخ مثل أَن تَقول: عمر بن عبد الْعَزِيز خَليفَة صَالح من أول يَوْم، أَي من أول يَوْم خِلَافَته، وهلم جرا إِلَى أَمْثَال ذَلِك. ١ وَادي بني سَالم، وَقيل إِنَّه صلى فى وَادي رانو ناء. انْظُر ابْن هِشَام ٢/ ١٣٩. ٢ وَكَانَ ﵇ رَاكِبًا نَاقَته. ٣ فِي بعض الرِّوَايَات: أسيرة.

1 / 86