أقول : فمعنى « اهدنا » زدنا هدى بمنح الالطاف ، وعن علي عليه السلام معناه ثبتنا.
ولفظ الهداية على الثاني مجاز ؛ اذ الثبات على الشيء غيره.
وأما على الاول ، فان اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه ، فمجاز ايضا. وان اعتبر خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن ، فحقيقة ، اذ الهداية الزائدة هداية ، كما ان العبادة الزائدة عبادة ، فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز.
واما المراد بالصراط المستقيم المبين بصراط المنعمين عليهم دون المغضوب عليهم ولا الضالين ، فهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن اولئك رفيقا.
وصراطهم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصر واستقام ، فلم يعدل الى شيء من الباطل ، وهو دين الاسلام الحاصل لكل من اصحاب المرتبتين جميعا ، وان كان حصوله لهم وثباتهم عليه مقولا بالشدة والضعف .
ثم ان هذا هو بعينه صراطهم في الاخرة ؛ لانه يوديهم الى الجنة. فيدخلونها خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ، وما هم منها بمخرجين.
فان قلت : هذه الآية قد تلاها نبينا واوصياؤه عليهم السلام فما كانوا يريدون بالهداية المذكورة فيها؟
قلت : كانوا يريدون بها الثبات على الصراط المستقيم ، وهو دين الاسلام ، لان ميلهم عنه كلا او بعضا امر ممكن بالذات ، وهذا القدر كاف في طلب الثبات عليه ، وذلك لان العصمة البشرية لاتجعل المعصوم مسلوب القدرة على المعصية ، والا لم يكن له في تركها ثواب ، وكان احدنا اذا كف نفسه عن المعصية اكثر ثوابا منه ؛ لان له دواعي وبواعث عليها دونه على ما هو المفروض.
او يقال : هو بالنسبة اليهم تعبد محض. او هو من قبيل بسط الكلام مع المحبوب ، فلا يضر امتناع ميلهم عنه. والوجه هو الاول.
وسمي بالمستقيم لانه يؤدي من يسلكه الى الجنة ، كما ان الصراط يؤدي
صفحة ٥٢