المتكلم ، فحينئذ تكون تلك الصلاة بمثابة صلاة الجماعة.
بيان ذلك : انه لما كانت بين الجوارح والقلب علاقة شديدة ، يتأثر كل منهما بالاخر ، كما اذا حصلت للاعضاء آفة ، سرى اثرها الى القلب فاضطرب ، واذا تألم القلب بخوف مثلا سرى اثره الى الجوارح فارتعدت ، كان القلب بمنزلة السلطان ، والجوارح بمنزلة العسكر.
فمتى توجه القلب الى جناب الله تعالى ، كان كل جارحة على الوجه المطلوب في احوال الصلاة ، بأن لا يطرق رأسه ، وينظر حال القيام الى موضع سجوده ، ولا يسمع الى كلام احد غير ما يقوله مع معبوده ، وتكون يده ورجله وحركاته وسكناته على الوجه المطلوب ، بأن لا يلتفت الى غير جنابه الاقدس ، وبذلك تصير الصلاة صلاة جماعة ، فيحقق مساغ نون المتكلم مع الغير ، فيصح له ان يقول : اياك نعبد واياك نستعين.
والحاصل : انه انما اختار صيغة المتكلم مع الغير على صيغة المتكلم وحده ، ليدل بذلك على عظم شأن عبادة الله تعالى ، لما فيه من الاشارة الى ان هذا الامر العظيم والخطب الجسيم مما لا يمكنه ان يتولاه وحده ، بل يحتاج الى معاون ونصير وممد وظهير. وكذا الكلام في طلب الاعانة.
وأما ما قيل بلزوم الاحتراز بذلك عن الكذب الظاهر ، وما نقل عن مالك بن دينار انه قال : لولا اني مأمور بقراءة هذه الآية ما كنت قرأتها قط ، لاني كاذب فيها.
فهو غير لازم ؛ لان نبينا واوصياءه عليهم السلام كانوا يقرؤون هذه الآية مع استعانتهم بغير الله تعالى في الامور الدينية والدنيوية ، وهذا مما لا يمكن انكاره.
كيف؟ والانسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم في امور معاشه ومعاده الى بعض. فالاستعانة بغيره تعالى من حيث انه جعله سببا ، وابى ان يجري الاشياء الا بأسبابها ، راجعة الى الاستعانة به تعالى ، ولا يلزم منه كذب ولا
صفحة ٤٨