[مُقَدِّمَة الْكتاب]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْكَمَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَأَعْلَى أَعْلَامَ الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ بِمُعْظَمِ خِطَابِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَطَهِّرِينَ عَنْ النَّقَائِصِ بِتَتْمِيمِ مَسْحِ وُجُوهِهِمْ بِصَعِيدِ بَابِهِ.
(وَبَعْدُ) فَإِنَّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْمُسَلَّمَاتِ الْمُحَرَّرَةِ لَدَى ذَوِي الِاسْتِبْصَارِ أَنَّ شَرَفَ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارَيْنِ وَنَيْلَهُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْكَوْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِتَحْلِيَةِ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ تَزْكِيَةِ الْبَاطِنِ بِالْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، فَالْعِلْمُ الْمُتَكَفِّلُ بِتَعْرِيفِ الْأُولَى وَبَيَانِهَا وَالْمُتَخَصِّصُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا يَكُونُ مِنْ أَوْلَى الْعُلُومِ بِالِاشْتِغَالِ، وَأَحْرَاهَا لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ الْبَالِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي اعْتَنَى بِشَأْنِهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ النَّقِيَّةِ وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي تَشْيِيدِ أَرْكَانِهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ نَبِيَّنَا ﵇ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمُوَضِّحَ لِأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَالسُّبُلِ وَكَانَتْ حَوَادِثُ الْأَيَّامِ خَارِجَةً عَنْ التَّعْدَادِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا لَازِمَةً إلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَلَمْ تَفِ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ بِبَيَانِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لَهَا وَافٍ بِشَأْنِهَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْآلِهِيَّةُ جَعْلَ مَثَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ عُلَمَائِهِمْ كَمَثَلِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ فَجَعَلَ فِي قُدَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَئِمَّةً كَالْأَعْلَامِ، مَهَّدَ بِهِمْ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَ الْإِسْلَامِ، وَأَوْضَحَ بِآرَائِهِمْ مُعْضِلَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَنَالَ الْفَلَاحَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ، اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ، تُضِيءُ الْقُلُوبُ بِأَنْوَارِ أَفْكَارِهِمْ، وَتَسْعَدُ النُّفُوسُ بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ، وَخَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ نَفَرًا بِإِعْلَاءِ أَقْدَارِهِمْ وَمَنَاصِبِهِمْ، وَإِبْقَاءِ أَذْكَارِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ.
إذْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ مَدَارُ الْأَحْكَامِ، وَبِمَذَاهِبِهِمْ يُفْتِي فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّ مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ، وَالْهُمَامَ الْأَقْدَمَ، سِرَاجَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الثَّابِتِ، الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ نُعْمَانَ الثَّابِتَ، بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ، وَأَفَاضَ عَلَى مَرْقَدِهِ سِجَالَ الْغُفْرَانِ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَذْهَبِهِ وَغَزَارَةِ مُسْتَنْبَطَاتِهِ وَعُذُوبَةِ مَشْرَبِهِ.
فَإِنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِبَدِيعِ قُدْرَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمِنَحِ لِمَنْ شَاءَ كَمَا تَعَلَّقَ بِهِ سَوَابِقُ إرَادَتِهِ، وَمَنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَخَصَّهُ بِجَزِيلِ نِعْمَتِهِ وَوَفَّقَهُ لِنَهْجِ الرَّشَادِ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أُعِدُّهَا لِلْوُقُوفِ بِحَضْرَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا وَسَنَدَنَا وَمَلْجَأَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ بِوَاضِحِ شَرِيعَتِهِ شَهَادَةً تُنْجِي قَائِلَهَا مِنْ الْهَفَوَاتِ وَتُقِيلُهُ عِنْدَ عَثْرَتِهِ ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا أَحْكَامَ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ مَا تَجَلَّتْ وُجُوهُ الْأَحْكَامِ بِغُرَرِ التَّحْقِيقِ وَتَحَلَّتْ صُدُورُ الْأَحْكَامِ بِدُورِ التَّوْفِيقِ
1 / 2
الْأَحْكَامِ بَحْرٌ مُتَلَاطِمُ الْأَمْوَاجِ، بَلْ لِإِمَاطَةِ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ، وَلَقَدْ كُنْت مِنْ إبَّانِ الْأَمْرِ وَعُنْفُوَانِ الْعُمْرِ مُغْتَرِفًا مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَأُصُولِهِ، مُتَفَحِّصًا عَنْ مَسَائِلِ أَبْوَابِهِ وَفُصُولِهِ، بِالِاسْتِفَادَةِ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ، وَالْإِفَادَةِ لِلطَّالِبِينَ الْمُكِبِّينَ عَلَيْهِ، وَابْتُلِيتُ فِي أَثْنَائِهِ بِبَلَاءِ الْقَضَاءِ بِلَا رَغْبَةٍ فِيهِ وَلَا رِضَاءٍ، وَأَعُدُّ مَا يَمْضِي فِيهِ مِنْ عُمْرِي عَبَثًا وَمُخَالَطَةِ الْعَوَامّ وَمُخَاطَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خُبْثًا، حَتَّى كَانَ يَخْطِرُ فِي خَلَدِي دَائِمًا أَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِحَالِي.
وَكُنْت أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَدِّلَ بِالْخَيْرِ مَآلِي، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِابْتِلَاءُ خَالِيًا عَنْ حِكْمَةٍ وَلَا عَارِيًّا عَنْ فَائِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، حَيْثُ كَانَ سَبَبًا لِتَتَبُّعِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ وَالنَّوَازِلِ، وَالْعُثُورِ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ فِي تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ، فَصَارَ بَاعِثًا لِي عَلَى كَتْبِ مَتْنٍ حَاوٍ لِلْفَوَائِدِ، خَاوٍ عَنْ الزَّوَائِدِ، مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي خُطْبَتِهِ، دَاعِيَةٍ لِكُمَّلِ الرِّجَالِ إلَى خِطْبَتِهِ، مَرْعِيٍّ فِيهِ تَرْتِيبُ كَتْبِ الْفَنِّ عَلَى النَّمَطِ الْأَحْرَى وَالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ، فَاخْتَلَسْت فُرَصًا مِنْ بَيْنِ الِاشْتِغَالِ، وَانْتَهَزْت نُهَزًا مَعَ تَوَزُّعِ الْبَالِ، وَحِينَ قَرُبَ إتْمَامُهُ وَآنَ أَنْ يُفَضَّ بِالِاخْتِتَامِ خِتَامُهُ خَلَّصَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَلَاءِ الْقَضَاءِ، إذْ بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ يُخَلِّصُ مِنْ الْبَلَاءِ، فَوَجَبَ عَلَيَّ شُكْرُ نِعْمَتَيْ إتْمَامِهِ وَإِحْسَانِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْبَلَاءِ وَإِنْعَامِهِ، فَشَرَعْتُ فِي شَرْحِهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَتَيْنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا إلَى الدَّوْلَتَيْنِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ وَيُسَهِّلَ لِي بِالسَّلَامَةِ طَرِيقَ اخْتِتَامِهِ وَعَازِمًا أَنْ أُسَمِّيَهُ بَعْدَ الْإِتْمَامِ (دُرَرَ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ) إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالظَّرْفُ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَبْتَدِئُ الْكِتَابَ كَمَا فِي دَخَلْت عَلَيْهِ بِثِيَابِ السَّفَرِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالظَّرْفُ لَغْوٌ كَمَا فِي: كَتَبْت بِالْقَلَمِ، مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أُدْخِلَ فِي التَّعْظِيمِ وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَصْدُرْ بِاسْمِهِ تَعَالَى، وَإِضَافَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ تَشْمَلُ أَسْمَاءَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَضْعًا لِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَّصِفِ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِلْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُ مَعَانٍ وَصِفَاتٌ وَفِي التَّبَرُّكِ بِالِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ كَمَالُ التَّعْظِيمِ لِلْمُسَمَّى فَلَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهِمَا بَلْ رُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِضَافَةِ عَلَى تَغَايُرِهِمَا.
وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَالْغَضْبَانِ مِنْ غَضِبَ، وَالْعَلِيمِ مِنْ عَلِمَ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَمُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَا لِأَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وَتَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ مِنْ قَبِيلِ التَّتْمِيمِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) جَمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ فِي الِابْتِدَاءِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْبَحْثِ فَتُقَارِنُهُ التَّسْمِيَةُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ فِي أَوَائِلِ التَّصَانِيفِ أَبْتَدِئُ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا أَوْ لَغْوًا لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْحَدِيثِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَفِي تَقْدِيرِ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى لُطْفِ مَوْلَاهُ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ حَسَنُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ عَلِيِّ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْإِخْلَاصِ الْوَفَائِيُّ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْحَنَفِيُّ أَدَامَ اللَّهُ سَوَابِغَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَمُحِبِّيهِ وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ وَمَنَحَهُمْ فَوْقَ مَا يَأْمُلُونَهُ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ بَسْطِ يَدَيْهِ وَأَرْبَحَهُمْ مِنْ كَرَمِهِ وَعَامَلَهُمْ بِالرِّضَى الْأَبَدِيِّ لَدَيْهِ آمِينَ: إنِّي لَمَّا قَرَأْت كِتَابَ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ عَلَى أَتْقَى أُسْتَاذٍ عَلِمْته مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَأَعْظَمِهِمْ مُرَاقَبَةً فِي الْقِيَامِ بِأَوَامِرِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُسْتَاذٍ كُنْتُ سَابِقًا قَرَأْت الْكِتَابَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَنِي لِمُلَازَمَةِ الْأُسْتَاذِ الْمَذْكُورِ وَأَمَرَ بِالْمُثَابَرَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَأَمَدَّ بِمَادَّةٍ غَزِيرَةٍ لَدَيْهِ وَلَاحَ مِنْ بَرَكَةِ إخْلَاصِ طَوِيَّتِهِمَا الطَّاهِرَةِ الشَّاهِدِ بِهَا حُسْنُ سِيرَتِهِمَا الظَّاهِرَةِ لَوَامِعُ أَنْوَارِ هِدَايَةٍ أَشْرَقَتْ عَلَيَّ وَسَوَاطِعُ أَسْرَارِ دِرَايَةٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمَا الزَّكِيَّةِ عَبِقَتْ لَدَيَّ جَزَاهُمَا
1 / 3
مَعْنًى فَقَطْ، وَقَدَّمَ التَّسْمِيَةَ اقْتِفَاءً بِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْأَلْبَابِ.
وَالْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ إنْعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَدْحُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا، وَالشُّكْرُ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ وَأَخَصُّ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ غَالِبًا.
وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَتُحْمَلُ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيُفِيدُ إثْبَاتَ حَصْرِ الْأَفْرَادِ وَلَا تُفِيدُهُ لَامُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْحَصْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ، وَالتَّخْصِيصُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ لَامِ الْحَمْدُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ.
(الَّذِي فَقَّهَ) أَيْ جُعِلَ فَقِيهًا مِنْ فَقُهَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً أَيْ صَارَ فَقِيهًا وَيُقَالُ فَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا وَفَقَهَةً أَيْ فَهِمَ (الْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ) الْمُجَلِّي مِنْ أَفْرَاسِ السِّبَاقِ هُوَ السَّابِقُ، وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يَتْلُوهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ، وَالْمُزَاوَلَةِ (فِي حَلْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ خَيْلٌ تُجَمَّعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اُسْتُعِيرَتْ لِلْمِضْمَارِ (حِلْيَةِ الْعَالِمِينَ الْمُتَّقِينَ) وَهِيَ تَهْذِيبُ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْبَاطِنِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَارَسَ وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا فَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرْتَبَةَ الْفَقَاهَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْعَمَلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ أُصُولِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
(وَطَهُرَ مَنْ تَيَمَّمَهُ) أَيْ قَصَدَهُ (بِمَسْحِ) أَيْ إصَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَهُ (أَنْفِ الِابْتِهَالِ) أَيْ التَّضَرُّعِ وَإِضَافَةُ الْأَنْفِ إلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَصِلُ إلَى الْأَرْضِ حَالَ السَّجْدَةِ لِلتَّضَرُّعِ هُوَ الْأَنْفُ (وَالْجَبِينِ) عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفِ (عَلَى أَرْضِ الذِّلَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ (عَنْ أَنْجَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَ (أَنْحَاسِ) النَّحْسُ ضِدُّ السَّعْدِ كَالنُّحُوسَةِ ضِدُّ السَّعَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ، وَالصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ، وَالْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَبِأَنْجَاسِهَا الْمُهْلِكَاتُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تَزُلْ لَأَفْضَتْ إلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ (الْمَارِدِينَ) أَيْ الْعَاتِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى) أَيْ الطَّهِرِ (الصَّائِمِ) أَيْ مُمْسِكٍ (قَلْبُهُ عَنْ) مُتَعَلِّقٌ بِصَائِمٍ (أَنْ يَحُجَّ) أَيْ يَقْصِدَ (مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ) بَيَانٌ لِمَا (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي رَفْعِ رَايَاتِ آيَاتِ دَقَائِقِ حَقَائِقِ الْحَقِّ الْمُبِينِ) الْحَقُّ الْمُبِينُ هُوَ الشَّرِيعَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ وَحَقَائِقُهَا الْأَحْكَامُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَالِاعْتِقَادِيَّات وَالْوِجْدَانِيَّات، وَدَقَائِقُ حَقَائِقِهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لَهَا، وَآيَاتُ تِلْكَ الدَّقَائِقِ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَرَفْعُ رَايَاتِهَا إظْهَارُ تِلْكَ الطُّرُقِ لِلْمُسْتَدِلِّينَ إفْشَاؤُهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ حَتَّى قَدَرُوا عَلَى اسْتِخْرَاجِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ فَقُهَ، وَالْمُصَلِّينَ وَتَيَمَّمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ.
(أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ السَّنِيَّةِ) أَيْ الْعَلِيَّةِ (وَأَتَمِّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ جَزَائِهِ وَمَتَّعَهُمَا فِي الدَّارَيْنِ بِمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَتَكَرَّرَتْ قِرَاءَتِي لِذَا الْكِتَابِ مُرَاجِعًا كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُدَاوِمًا لِمُمَارَسَتِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا صِيغَ فِيهِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْإِطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ.
وَصَدَرَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ أُسْتَاذِي بِتَسْطِيرِ مَا ظَفِرْت بِهِ مِنْ تَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ، وَالتَّتْمِيمِ لِفَوَائِدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَالَ الِاشْتِغَالِ لِأَتَنَبَّهَ لَهُ فِي الْمَآلِ لَا لِأُبَاهِيَ بِهِ الْأَمْثَالَ أَرَدْت جَمْعَ مَا سَطَّرْته عَلَيْهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ مُرَاجِعًا لِلنَّظَرِ مُرَاعِيًا لِلْقُيُودِ وَالتَّتِمَّاتِ، مُعْتَمِدًا فِي الْآخِرِ كَالْأَوَّلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلُ مُنَبِّهًا فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْته، مُنَوِّهًا بِمَا فُتِحَ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا ابْتَكَرْته وَحَرَّرْته عَازِيًا كُلَّ حُكْمٍ لِمَنْ عَنْهُ نَقَلْته فَشَرَعْت مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي كُلِّ مَا كَتَبْته وَقُلْته وَمُعْتَمَدِي فِي الِاخْتِيَارِ، وَالتَّصْحِيحِ عَلَى مُحَقِّقِي الرِّوَايَاتِ، وَالدِّرَايَاتِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَمَا نَقَلْته بِصِيغَةِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ
1 / 4
الْمَآرِبِ) جَمْعُ مَأْرَبَةٍ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ (السَّمِيَّةِ) أَيْ الرَّفِيعَةِ (الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ تِلْقَاءَهَا) أَيْ جِهَتَهَا (عَنَانُ الْعِنَايَةِ وَيُصْرَفُ إلَيْهَا أَعْمَارُ أَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ عِلْمَ الْفِقْهِ) اسْمُ إنَّ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ (الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِنِظَامِ الْمَعَاشِ وَنَجَاةِ الْمَعَادِ وَفَلَاحِ الْعِبَادِ بِنَيْلِ الْمُرَادِ يَوْمَ التَّنَادِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفَاعَلَ مِنْ النِّدَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يُنَادِي أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ وَبِالْعَكْسِ (وَلَقَدْ كُنْت صَرَفْت) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصْنِيفِ (شَطْرًا) أَيْ بَعْضًا (مِنْ عُنْفُوَانِ الشَّبَابِ إلَى تَدَبُّرِ) أَيْ تَفَكُّرٍ (لِطَائِفِهِ وَتَدَرُّبِ) أَيْ اعْتِيَادِ (تَصَفُّحِ) تَقُولُ تَصَفَّحْت الشَّيْءَ إذَا نَظَرْت فِي صَفَحَاتِهِ (مَا فِيهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ حَتَّى اتَّجَهَ لِي أَنْ أَكْتُبَ فِيهِ مَتْنًا كَمَا فِي الْأُصُولِ) وَهُوَ مِرْقَاةُ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ (بَيْدَ) أَيْ إلَّا (أَنَّ عَوَائِقَ الدَّهْرِ عَاقَتْهُ) أَيْ كَتْبَ الْمَتْنِ (عَنْ الْحُصُولِ حَتَّى سَاقَنِي زَمَانِي حِينَ رَمَانِي بِمَا رَمَانِي) إشَارَةٌ إلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ مَرَضِ الطَّاعُونِ عَامَ الْوَبَاءِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ (إلَى أَنْ عَزَمْت) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَاقَنِي (عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَأْنُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ إنْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ بِحَيْثُ أَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي مَهَامِهِ الْمَعَارِفِ، وَالْعُلُومِ وَمَفَاوِزِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْفُهُومِ) الْمَهَامِهُ جَمْعُ مَهْمَهَ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ، وَالْمَفَاوِزُ جَمْعُ مَفَازَةٍ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْفَوْزِ سُمِّيَ بِهِ الصَّحْرَاءُ تَفَاؤُلًا (أَصْرِفْ) جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ إنْ خَلَّصَنِي (خُلَاصَةً مِنْ بَقِيَّةِ عُمُرِي الْمَوْهِبَةِ إلَى إبْرَازِ مَا فِي خَلَدِي) أَيْ قَلْبِي (بِطَرِيقَةٍ مَنْدُوبَةٍ) بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ أُصَنِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي الْفِقْهِ (مَتْنًا مَتِينًا) أَيْ قَوِيًّا (رَائِقًا) أَيْ مُعْجِبًا (نِظَامُهُ) أَيْ تَرْتِيبُهُ (وَأَرْصُفَ) أَيْ أُرَتِّبَ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ عَقْدُ الْحِجَارَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِلْإِحْكَامِ (بُنْيَانًا) وَهُوَ مَا رُكِّبَ وَسُوِّيَ كَالْحَائِطِ.
(رَصِينًا) أَيْ مُحْكَمًا (أَنِيقًا) هُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى مُعْجِبًا (انْتِظَامُهُ خَالِيًا) أَيْ سَالِمًا (عَنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ حَالِيًا) أَيْ مُزَيَّنًا (بِالْقُيُودِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الشُّرُوحِ، وَالْفَتَاوَى لِإِطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ.
(وَالْإِشَارَاتِ) إلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ، وَالْمُسَاهَلَاتِ (الشَّرِيفَةِ اللَّطِيفَةِ) مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ (مُحْتَوِيًا عَلَى مَسَائِلَ مُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْمُتُونُ الْمَشْهُورَةُ مُنْطَوِيًا عَلَى أَحْكَامِ) أَيْ قَضَايَا (مُلِمَّاتٍ) أَيْ وَقَائِعَ (لَمْ تَكُنْ) تِلْكَ الْأَحْكَامُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُتُونِ الْمَشْهُورَةِ (مَسْطُورَةً مُعْجِبًا نَظْمُهُ الْفَصِيحَ الْأَدِيبَ) أَيْ الْمَاهِرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ.
(وَمُونِقًا فَحْوَاهُ الْفَقِيهَ الْأَرِيبَ) أَيْ الْعَاقِلُ وَلَا يَخْفَى لُطْفُ تَوْصِيفِ الْفَصِيحِ بِالْأَدِيبِ، وَالْفَقِيهِ بِالْأَرِيبِ (فَلَمَّا أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيَّ بِإِمَاطَةِ) أَيْ إزَالَةِ (مَا بِي مِنْ السَّقَامَةِ وَأَلْبَسَنِي مِنْ خَزَائِنِ رَأْفَتِهِ حُلَّةَ السَّلَامَةِ شَرَعْتُ فِي مَا أَرَدْتُ وَبَدَأْتُ بِمَا قَصَدْتُ وَرَاعَيْتُ مَا ذَكَرْتُ) مِنْ اتِّصَافِ الْمَتْنِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ (بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ) بِالْمَلِكِ الْمَنَّانِ وَعَزَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ (بِغُرَرِ الْأَحْكَامِ) بَعْدَ أَنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِي الِاخْتِتَامَ مُبْتَهِلًا إلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
(وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ، وَصَرَفَ عَنِّي الْعَوَائِقَ عَنْ إتْمَامِهِ مَعَ ابْتِلَائِي بِكَثْرَةِ الْمُشَادَّةِ وَالْمَشَاغِلِ، وَتَفَاقُمِ الْمَوَانِعِ عَلَيَّ وَالشَّوَاغِلِ، وَالْمَسْئُولِ مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَهُوَ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ.
وَهَذَا حَسَبُ طَاقَتِي وَهِيَ الْقَاصِرَةُ وَهِمَّتِي وَهِيَ الْفَاتِرَةُ مَعَ كَثْرَةِ الْغُمُومِ وَقِلَّةِ الْمَوَادِّ وَوَفْرَةِ الْهُمُومِ، وَنُدْرَةِ الْمَوَادِّ وَابْتِغَائِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَحُصُولَ رِضْوَانِهِ، وَالْفَوْزَ بِمُشَاهَدَةِ ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ فِي أَعَالِي جَنَّاتِهِ وَأَرْجُو مِنْ جَزِيلِ كَرَمِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عُمْدَةً وَذَخِيرَةً لِي وَلِإِخْوَانِي فِي اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَائِلًا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا فِي بَابِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ طَاوِيًا شُقَّةَ الْمَشَقَّةِ فِي طَلَبِ الْمَسَائِلِ الْمُحَرَّرَةِ مُوَفِّرًا الْعَائِدَةَ عِنْدَ أُولِي النُّهَى، وَالتَّبْصِرَةِ مُوفِي الْفَائِدَةَ لَدَى ذِي التُّقَى، وَالْبَصَائِرِ النَّيِّرَةِ
(سَمِيَّةُ غُنْيَةَ ذَوِي الْأَحْكَامِ فِي بُغْيَةِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ) وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ، وَالْإِكْرَامِ وَأَنْ يُوَفِّقَ لِلْإِتْمَامِ وَيُيَسِّرَ لِلِاخْتِتَامِ رَبَّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ أَنْتَ مَوْلَانَا فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ الْمَصِيرُ.
1 / 5
أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ لِي لَمْ يَكُنْ إلَّا مِنْ آثَارِ تَخْلِيصِهِ إيَّايَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَانِعِ مَحْضًا وَإِلَيْهِ أَتَضَرَّعُ أَنْ يَقْبَلَ بِفَضْلِهِ دَعْوَتِي وَيُطْفِئَ بِسِجَالِ زُلَالِ لُطْفِهِ لَوْعَتِي إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِإِجَابَةِ رَجَاءِ الْمُؤَمِّلِينَ جَدِيرٌ.
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ) الْكِتَابُ لُغَةً إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَاللِّبَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً شَمَلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَا، وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ وَخِلَافُهَا الدَّنَسُ وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُتَنَوِّعَةُ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَنْ جَمَعَهَا قَصَدَ التَّصْرِيحَ بِهِ.
(فَرْضُ الْوُضُوءِ) الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَشَرْعًا غَسْلُ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَالْفَرْضُ لُغَةً الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ وَشَرْعًا حُكْمٌ لَزِمَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَحُكْمُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ تَارِكُهُ بِلَا عُذْرٍ وَيَكْفُرَ جَاحِدُهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوَتْرِ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِلْمُتَذَكِّرِ لَهُ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى فَرْضًا اعْتِقَادِيًّا، وَالثَّانِي فَرْضًا عَمَلِيًّا، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِثُبُوتِهِ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنْ قِيلَ آيَةُ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [أَحْكَام الْوُضُوء] [فَرَائِض الْوُضُوء]
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ) (قَوْلُهُ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ) أَقُولُ فَلِذَا اُخْتِيرَ عَلَى الْبَابِ لِقَصْدِ جَمْعِ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ وَإِطْلَاقُهُ أَيْ الْكِتَابِ عَلَى ضَمِّ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ عُرْفٌ، وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ مِنْ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ) كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ غَيْرِهَا إيَّاهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ كِتَابُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ أَمَّا الطَّهَارَةُ فَلِكَوْنِهِ الْمِفْتَاحَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِقْلَالِ قَدْ يَكُونُ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ ذَاتًا كَاللُّقَطَةِ عَنْ الْآبِقِ أَوْ لِمَعْنًى يُوَرِّثُ ذَلِكَ كَالصَّرْفِ عَنْ الْبَيْعِ، وَالرَّضَاعِ عَنْ النِّكَاحِ، وَالطَّهَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: شَمَلَتْ أَنْوَاعًا. . . إلَخْ) لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكِتَابُ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِكَمِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ نُورِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ ﵀ (قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ، وَالنَّزَاهَةُ، وَالْخُلُوصُ عَنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ مُتَطَهِّرُونَ مُتَنَزِّهُونَ عَنْ الْأَدْنَاسِ، وَالْآثَامِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْعًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَثْبُتُ عِنْدَهَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا لَوْلَاهَا كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ.
وَثَانِيهَا: فِي الْفِعْلِ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ كَالْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَثَالِثُهَا: فِي نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ نَحْوُ طَهَارَةِ الْمَاءِ دُونَ نَجَاسَتِهِ وَكَالِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ فِي تَعْرِيفِهَا شَرْعًا فِعْلُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ، وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ
(تَنْبِيهٌ): لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ وَرُكْنِهَا وَسَبَبِهَا وَحُكْمِهَا فَنَقُولُ: أَمَّا شَرْطُهَا مُطْلَقًا فَأَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ، وَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَشَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ، وَالْمُزَالِ عَنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ، وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُ الْمُطَهِّرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ زَوَالِ مَانِعِهِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ وَفِي النَّجَسِ الْعَيْنِيِّ زَوَالُهُ وَفِي غَيْرِهِ غَسْلُهُ حَتَّى يَظُنَّ زَوَالَهُ.
وَأَمَّا سَبَبُهَا فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَهُوَ حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ، وَالثَّوَابُ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهَا بَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ شُرُوطَهَا لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا هُوَ رُكْنٌ وَذَكَرَ فِيهَا مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ كَذَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ نَظَمْتهَا مُجَامَلَةً مَعَ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ فَقُلْت
شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ ... وَقُدْرَةُ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ
وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ ... نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ هَجَمْ
وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومُ الْبَشَرَهْ ... بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ فِي الْمَرَهْ
فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ ... يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ الْبَدَنْ
انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظَافَةِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَمِنْ الْوَضَاءَةِ، وَالْحُسْنِ وَقَدْ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا فَهُوَ وَضِيءٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ، وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ فِيمَا جَاءَ عَلَى فَعُولٍ تَوَضَّأْت وَضُوءًا وَتَطَهَّرْت طَهُورًا وَقَبِلْته قَبُولًا اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ الرَّاغِبُ دَخَلْت مِصْرًا فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَفْتَحُ وَاوَهُ مَعَ أَنَّ مَشَايِخَنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ لَمْ يَضُمَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ لِنَظْمِ الْكَنْزِ
١ -
1 / 6
بِالِاتِّفَاقِ، وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ إلَى حِينِ نُزُولِهَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «عَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ» .
وَلِمَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ «إذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا» حَتَّى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ جَوَابَ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ إلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْوُضُوءُ بِالْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ أَوْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ حِينَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» فَإِنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَعَلَّهَا لِتَقْرِيرِ أَمْرِ الْوُضُوءِ وَتَثْبِيتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَنٍ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَأَيْضًا إذَا وَرَدَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ يَتَأَتَّى اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ
(غَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً) لِأَنَّ أَمْرَ فَاغْسِلُوا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَجْهُ (مَا بَيْنَ مَنْبِتِ الشَّعْرِ غَالِبًا) هَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ النَّزَعَتَيْنِ وَهُمَا جَانِبَا الْجَبْهَةِ يَنْحَسِرُ الشَّعْرُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْبِتِ الشَّعْرِ: مَحَلُّ نَبَاتِهِ غَالِبًا سَوَاءٌ نَبَتَ أَوْ لَا.
(وَ) بَيْنَ (أَسْفَلِ الذَّقَنِ، وَالْأُذُنَيْنِ) وَبِهِ يَتِمُّ تَحْدِيدُ الْوَجْهِ بِحَسَبِ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَلَمَّا اقْتَضَى هَذَا التَّحْدِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ أَنْ يَجِبَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) أَقُولُ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْوُضُوءِ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمَسْحُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ أَثْبَتُوا الْوُضُوءَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا بَقَاءَ جَوَازِ بَقَاءِ الْمَسْحِ بَعْدَ النُّزُولِ لِظَنِّ نَسْخِهِ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَأَثْبَتَ الْمَاسِحُ بَقَاءَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا أَسْلَمْت بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَقَاءِ جَوَازِ الْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْوُضُوءِ قَبْلَ نُزُولِ آيَتِهِ دِرَايَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَفْرُوضًا وَمَنْقُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فُرِضَ بِمَكَّةَ وَنَزَلَتْ آيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَنْدُوبًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ جَابِرٍ صَوَابُهُ عَنْ جَرِيرٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَلَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَإِسْحَاقُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ «بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» .
قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِمَا - قَوْلُهُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ﵁ قَالَ: مَا سَمِعْت فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ ﵁ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
قُلْت وَإِمَامُ جَابِرٍ ﵁ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى بِعَامٍ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ مَعَ النَّفَرِ السِّتَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعُدُّ مِنْ النَّفَرِ السِّتَّةِ عُتْبَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ النِّبْرَاسِ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ ﵃ أَجْمَعِينَ - (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلْته غَسْلًا وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ أَيْ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَالْغَسْلُ إسَالَةُ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدُّدِ الْقَطَرَاتِ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ الْمَحَلُّ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَلَا يَغْسِلُ دَاخِلَ الْعَيْنِ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ إنْ غَمَّضَ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَلَوْ تَرَمَّصَتْ عَيْنُهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ
1 / 7
عَلَى الْمُلْتَحِي الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ، وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ، وَاللِّحْيَةِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفَنِّ مَشْحُونَةٌ بِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا لَا يَجِبُ أَرَادَ دَفْعَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْعِذَارُ) . . . إلَخْ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا اُسْتُعِيرَا مِنْ عِذَارَى الدَّابَّةِ وَهُمَا عَلَى خَدَّيْهَا مِنْ اللِّجَامِ (لَا يُسْقِطُ حُكْمَ مَا وَرَاءَهُ) وَهُوَ الْبَيَاضُ بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ يُسَمَّى الْعَارِضَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ فَإِنَّ الْعِذَارَ لَا يُسْقِطُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (بَلْ يَنْقُلُ حُكْمَ مَا تَحْتَهُ) وَهُوَ وُجُوبُ الْغَسْلِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعِذَارِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ (كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) حَيْثُ يَنْقُلَانِ حُكْمَ مَا تَحْتَهُمَا إلَيْهِمَا حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُمَا وَلَا يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُمَا (وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا (إلَى مَلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ اللِّحْيَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى (أَوْ) لَا تَنْقُلُهُ بَلْ (تُبَدِّلُهُ بِمَسْحِهِ) أَيْ مَسْحِ مَلَاقِي الْبَشَرَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ: وَفِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مَسْحُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَرْضٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (أَوْ مَسْحِ رُبْعِهِ) أَيْ رُبْعِ الْمَلَاقِي وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ قَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ تَحْدِيدِ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ جَمِيعَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَحِيًا لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ﵀: يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ خِلَافًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْحَائِلِ كَبَشَرَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ: وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ، وَالْأُذُنِ يَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَحَلِّ الْعِذَارِ لِأَنَّهُ اسْتَتَرَ بِشَعْرٍ نَبَتَ عَلَيْهِ فَقَامَ مَقَامَهُ (وَالْيَدَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ (فُرَادَى) وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبٌ لِأَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ وَظَاهِرُ النُّقُولِ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُخْرِجُ أَبُو يُوسُفَ مَا وَرَاءَ الْعِذَارِ.
(قَوْلُهُ: كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا إنَّ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ أَيْ الشَّارِبِ كَالْحَاجِبَيْنِ وَعَدَّ فِي التَّجْنِيسِ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ، وَالشَّارِبِ مِنْ الْآدَابِ مُطْلَقًا اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَصَّ الشَّارِبَ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهُ وَإِنْ طَالَ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ اهـ.
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي الْمُخْتَارِ لِبَقَاءِ الْمُوَاجَهَةِ بِهَا وَعَدَمِ عُسْرِ غَسْلِهَا وَقِيلَ يَسْقُطُ لِانْعِدَامِ الْمُوَاجَهَةِ الْكَامِلَةِ بِالنَّبَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا إلَى مُلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا. . . إلَخْ الْمُرَادُ بِحُكْمِ مَا تَحْتَهَا لُزُومُ غَسْلِهِ فَتَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَأَطْلَقَ اللِّحْيَةَ فَشَمَلَ الْكَثِيفَةَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَحْدُودُ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ، وَإِذَا نَبَتَ سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَسْقُطُ اهـ.
وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فَصَارَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ نَقْلُ اللِّحْيَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا إلَى جَمِيعِ ظَاهِرِهَا وَهِيَ كَثِيفَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالنَّقْلُ إلَيْهَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِثُلُثِهَا أَوْ رُبْعِهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسْحِ الْكُلِّ مَتْرُوكٌ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً) قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) قَدْ عَلِمْتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا، وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا وَيُنْدَبُ وَكَذَا مَا تَرَكَّبَ فِي الْيَدِ مِنْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَكَفٍّ وَسِلْعَةٍ، وَالزَّائِدُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فُرَادَى) أَقُولُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَعَلَى مَا قَالَهُ يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَهُ وَحُذِفَ فِي الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَحَمْلُ لَفْظَةِ فُرَادَى عَلَى إرَادَةِ أَفْرَادِ الْغَسْلِ يَأْبَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ مَرَّةً (قَوْلُهُ: وَكَيْفِيَّتُهُ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْكَافِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَعْنِي فِي بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَالْعِبَارَةُ نَاطِقَةٌ بِمَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي الْغَسْلِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ: وَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا. . . إلَخْ لِأَنَّ الشَّخْصَ وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَلَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَةً عَلَى يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا ثَلَاثًا بِتَوَهُّمِ إصَابَتِهَا مَحَلًّا نَجِسًا بَلْ هُوَ مَسْنُونٌ احْتِيَاطًا فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِفَاءُ أَثَرِ
1 / 8
يَأْخُذَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ وَيَصُبَّ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْخُذَهُ بِيَمِينِهِ وَيَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا وَمَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً فِي الْإِنَاءِ وَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيُدَلِّكُ الْأَصَابِعَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى وَوَجْهَهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ نَقْلَ الْبَلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَجَازَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهَا لَا تُغْسَلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا نَظَرًا إلَى الدُّخُولِ تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ فَتَعَارَضَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ فَتَرَجَّحَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ بِالْعُرْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْغُسْلُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَتَرَجَّحَ الِاتِّحَادُ الْحُكْمِيُّ بِالْعُرْفِ وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِالْمِيَاهِ الَّتِي صُبَّتْ عَلَى الْكَفِّ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ الْعَوَامّ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (مَرَّةً) لِمَا مَرَّ (بِالْمِرْفَقَيْنِ) وَهُوَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَضُدِ، وَالذِّرَاعِ (وَالرِّجْلَيْنِ مَرَّةً بِالْكَعْبَيْنِ) وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ مِنْ طَرَفَيْ الْقَدَمِ لَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ وَاحِدٌ كَالْمِرْفَقِ فِي الْيَدِ وَقَدْ ثَنَّى الْكَعْبَ فِي الْآيَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُدُولِ إلَى التَّثْنِيَةِ فَائِدَةٌ، فَإِنْ قِيلَ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي الْآيَةِ تَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ غَسْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ غَسْلُ الْأُخْرَى بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ ﷺ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ لَا الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ، وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ الْجَرِّ فِي أَرْجُلِكُمْ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا فَمُقْتَضَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ إمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ، وَالْمَسْحِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ حَمْلُ النَّصْبِ عَلَى حَالَةِ التَّحَفِّي، وَالْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخَفُّفِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ قُلْنَا قِرَاءَةُ الْجَرِّ ظَاهِرُهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يَجْعَلْهُ مُغَيَّا بِالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ فَكَانَ هَذَا أَوْفَقَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَوْفَى بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْوُضُوءِ وَأَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِمَا فِي الْغَسْلِ مِنْ الْمَسْحِ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ كَمَا فِي ﴿عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: ٨٤]، وَجُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَفَائِدَةُ صُورَةِ الْجَرِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ، لَا يُقَالُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ لَمْ يَجِئْ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَهَاهُنَا مُلْتَبِسٌ لِأَنَّا نَقُولُ ضَرْبُ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ رَفْعُ الِالْتِبَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ
(، وَالدَّرَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ الْوَسَخُ الْحَاصِلُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَالْوَنِيمُ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذُّبَابِ أَوْ الْبُرْغُوثِ (وَالْحِنَّاءُ) أَيْ لَوْنُهُ إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ (لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ كَالطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ) وُضُوءًا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْكَافِي بِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ الْكَفَّ فَإِنْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُبْتَغَى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ وَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِ الْكُوزِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ لِيَطْلُبَ الدَّلْوَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ اهـ.
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَمَاءٍ وَضَعَ صَبِيٌّ فِيهِ يَدَهُ اهـ.
كَلَامُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لِمَا قَالُوا يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ الْإِنَاءَ قَبْلَ الْغَسْلِ لِحَدِيثِ نَهْيِ الْمُسْتَيْقِظِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى وِجْدَانِ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ ذَكَرَ الْحَمْلَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا بِثَوْبِهِ وَلَا بِفَمِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ: تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ أَيْضًا تَضَمَّنَ الْأَمْرُ خِطَابَيْنِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ (قَوْلُهُ: بِالْمِرْفَقَيْنِ) الْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ الْقَلْبُ مُلْتَقَى عَظْمَاتِ الْعَضُدِ وَالذِّرَاعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ ﵇ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِ الرِّجْلِ الْأُخْرَى كَمَا فِي الْمَضْمَضَةِ نُقِلَتْ مُتَوَاتِرًا عَنْ الرَّسُولِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَصَدَ فِي الْأَمْرِ قَصْدًا تَوَسَّطَهُ وَطَلَبَ الْأَسَدَّ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ
(قَوْلُهُ: إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ) شَأْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ فَيُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِ الطِّينِ وُصُولَ الْمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِيبَ هَذَا أَنَّ الطِّينَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُفِيدُ أَنَّ جِرْمَ الْحِنَّاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا فِي الطِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحِنَّاءِ خِلَافًا
1 / 9
كَانَ أَوْ غُسْلًا لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ (وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ وَالطِّينِ) بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَنْعِ نُفُوذِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ (وَالْخَاتَمُ) الضَّيِّقُ (يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَوْضِعِ الْحَلْقَةِ
(وَمَسْحُ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِ (رُبْعِ الرَّأْسِ) (مَرَّةً) فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ (أَوْ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ (بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلِ عُضْوٍ لَا مَسْحِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ) الْمَاءُ (لَا مَأْخُوذٍ) عَطْفٌ عَلَى بَاقٍ أَيْ لَا بِمَاءٍ أُخِذَ (مِنْ عُضْوٍ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا (وَلَا يُعَادُ) الْمَسْحُ (بِحَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُعَادُ الْغَسْلُ بِحَلْقِ الْحَاجِبِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ)
(وَسُنَنُهُ) وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ (الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ) أَيْ قَصْدِ الْقَلْبِ بِالْوُضُوءِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ.
(وَ) الْبَدْءُ (بِالتَّسْمِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتِيرَ كَوْنُهَا سُنَّةً وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ السُّنِّيَّةَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي.
(قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوُضُوءِ (وَبَعْدَهُ) لِأَنَّهُ حَالُ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ لَا حَالَ الِانْكِشَافِ.
(وَ) الْبَدْءُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ) سَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لَا (وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ) فَلَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُ إذَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (السِّوَاكُ) وَهُوَ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّجَرَةِ الَّتِي يَسْتَاكُ بِهَا وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ (بِيُمْنَاهُ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ (كَيْفَ شَاءَ) أَيْ يَبْدَأُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا أَوْ السُّفْلَى مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ بِهِمَا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ، وَالطِّينِ) أَقُولُ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الطِّينِ، وَالْعَجِينِ عَلَى الْقَلِيلِ الرَّطْبِ وَاخْتُلِفَ فِي التُّرَابِ فَقِيلَ يُمْنَعُ لِظَاهِرِ حَيْلُولَتِهِ وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ لُزُوجَتِهِ اهـ.
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْفَتْوَى: دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءُ لِلدُّسُومَةِ جَازَ لِوُجُودِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَاتَمُ الضَّيِّقُ يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) أَقُولُ هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي مِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً: مَسْحُ الرُّبْعِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَسْحِ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَإِنْ صَحَّتْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
وَلَا يَجُوزُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ وَمَدَّ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبْعِ أَمَّا لَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَوَضَعَهَا ثُمَّ مَدَّهَا حَتَّى اسْتَوْعَبَ الرُّبْعَ صَحَّ الْمَسْحُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنِ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ. اهـ.
[سُنَن الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا) فِي التَّعْبِيرِ بِالْجَمْعِ تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ) عَرَّفَهُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ) أَقُولُ: وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي غَيْرِ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ التَّوَضُّؤِ بِالنَّبِيذِ مِنْهُ أَمَّا فِيهِمَا فَهِيَ شَرْطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَالْبَدْءُ بِالتَّسْمِيَةِ) مُرَاعَاةُ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ إضَافِيًّا (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذَكَرَ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَكَذَا يَغْسِلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: بِيُمْنَاهُ) أَقُولُ إمْسَاكُ السِّوَاكِ بِالْيُمْنَى مُسْتَحَبٌّ، وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ، وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى، وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ تَحْتَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا تَقْبِضْ الْقَبْضَةَ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ.
(قَوْلُهُ: كَيْفَ شَاءَ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ الْقُونَوِيُّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا، وَالْحَنَكَ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ عُقَدٍ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَطُولَ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ.
وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ كِبَرَ الطِّحَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الْفَارِضِيُّ فِي حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ فَضَائِلِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُبَطِّئُ بِالشَّيْبِ وَيَحُدُّ الْبَصَرَ وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَمِنْ آدَابِهِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى شِبْرٍ وَلَا يُوضَعُ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ بَلْ قَائِمًا وَيُكْرَهُ فِي الْخَلَاءِ اهـ.
1 / 10
(وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْخُلْفِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (غَسْلُ الْفَمِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ (وَالْأَنْفِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنَ (بِمِيَاهٍ) جَدِيدَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى رَأْسِ حَلْقِهِ وَفِي الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَارِنَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (إلَّا صَائِمًا) لِأَنَّ فِيهَا احْتِمَالَ انْتِقَاضِهِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فِي خِلَالِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى الْأَعْلَى بَعْدَ التَّثْلِيثِ.
(وَ) تَخْلِيلُ (الْأَصَابِعِ) مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ التَّثْلِيثِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْيَدَيْنِ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَسْفَلِ (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَاتِ (وَمَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ مَرَّةً) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ: وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا (وَ) مَسْحُ (الْأُذُنَيْنِ) دَاخِلِهِمَا بِسَبَّابَتَيْهِ وَخَارِجِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ (بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (وَالتَّرْتِيبُ) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّعَاقُبِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ.
(وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ لَا الْحُلْقُومِ) فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(وَمِنْ آدَابِهِ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخْرَى ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْوُضُوءِ (وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) أَقُولُ هِيَ كَفَقْدِ أَسْنَانِهِ أَوْ فَقْدِ السِّوَاكِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ لَا عِنْدَ الْوُجُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْعِلْكُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ) اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلِاخْتِصَارِ وَإِلَّا فَهُمَا أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ اهـ.
وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَضْلِ الْجَنَائِزِ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهَا بِغَسْلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ اهـ.
قُلْت يَظْهَرُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَجَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمَضَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ.
وَلِذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْلَى مِنْ الْغَسْلِ لِمَا فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْغَسْلِ وَهُوَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ مِنْ جَذْبِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ لِتَحْصُلَ الْمُبَالَغَةُ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ لِحَدِيثِ: بَالِغْ «إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَذَلِكَ بِالْغَرْغَرَةِ، وَالِاسْتِنْثَارِ وَلَوْ بَلَعَهُ أَجْزَأَ إذْ الْمَجُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كَذَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) أَقُولُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِهِمَا وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ جَازَ وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِيهِ فِي السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ فِي الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَمُرَادُهُ أَصْلُ سُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ السُّنَّةَ فِيهَا أَيْ تَجْدِيدَ الْمِيَاهِ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) أَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي الْأَصَابِعِ دُونَ اللِّحْيَةِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي الْقُنْيَةِ كَذَا وَرَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَقُولُ لَكِنَّ الْأُولَى فَرْضٌ، وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ، وَالثَّالِثَةَ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْأُذُنَيْنِ بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ قُلْت لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِمَائِهِ أَيْ الرَّأْسِ.
[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) يَعْنِي فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ، وَبِالْخَدِّ الْأَيْمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) أَقُولُ جَعَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ مَسْنُونًا فِي الْبُرْهَانِ وَضَعَّفَ اسْتِحْبَابَهُ، فَقَالَ وَسُنَّ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ وَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الرَّقَبَةِ وَقِيلَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّاتٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمَوَاهِبِ مِنْ السُّنَنِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ اهـ.
وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
1 / 11
الْمَعْذُورِ) فَإِنَّ وُضُوءَ الْمَعْذُورِ قَبْلَ الْوَقْتِ يَنْتَقِضُ عِنْدَ زُفَرَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَالْأَحْوَطُ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ (وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ كَمَا مَرَّ، وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ) مِنْ الْأَدْعِيَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَارْزُقْنِي مِنْ نَعِيمِهَا وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ عُنُقِي مِنْ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (وَأَنْ يَقُولَ) بَعْدَهُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ وَأَنْ يَشْرَبَ) بَعْدَهُ (مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا) قَالُوا لَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْمَاءِ قَائِمًا إلَّا هَاهُنَا وَعِنْدَ زَمْزَمَ.
وَمَكْرُوهُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَالْإِسْرَافُ فِيهِ (وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ التَّثْلِيثَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَبِمِيَاهٍ بِدْعَةٌ) .
(وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا (مِنْهُ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (إلَى مَا يَطْهُرُ)
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ) أَقُولُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ: لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) يَعْنِي مَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ يَخَافُ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ) لَفْظَةُ " غَسْلٍ " سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ التَّسْمِيَةَ فِي الْمَمْسُوحِ وَعَلَى ثُبُوتِهَا تُسْتَفَادُ بِالتَّغْلِيبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَدْعِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَا أَصْلَ لَهَا وَاَلَّذِي ثَبَتَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التَّوْشِيحِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهُ فَاتَ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ أَنَّهُ أَيْ دُعَاءُ الْأَعْضَاءِ رُوِيَ عَنْهُ ﷺ مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَفْيُ الْمُصَنِّفِ أَصْلَهُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا تُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ: بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا) قِيلَ وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا.
[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَالْإِسْرَافُ فِيهِ) أَقُولُ وَكَذَا التَّقْتِيرُ لِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ
(تَنْبِيهٌ): الْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَلِجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، وَمَنْدُوبٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْهُ وَلِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ وَلِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَبَعْدَ غِيبَةٍ وَكَذِبٍ، وَنَمِيمَةٍ، وَإِنْشَادِ شِعْرٍ وَقَهْقَهَةٍ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَغَسْلِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ وَلِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَقَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَلِغَضَبٍ وَقُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلِخُطْبَةٍ، وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَوُقُوفٍ وَسَعْيٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ.
[نَوَاقِض الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ النَّاقِصُ لَا عَيْنُ الْخَارِجِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَإِنْ قَلَّ قِيلَ الْمُرَادُ خُرُوجُ مَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ، وَهِيَ أَيْ الْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا قَالُوا الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ النَّجَسُ الْخَارِجُ لَا خُرُوجُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ تَأْثِيرِ النَّجَسِ فِي النَّقْضِ مَعَ أَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَالنَّاقِضُ الْخَارِجُ النَّجَسُ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةٌ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ فَإِضَافَةُ النَّقْضِ إلَى الْخُرُوجِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَتَأَيَّدَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَقُولُ خَصَّ الْمَتْنَ هُنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ النَّقْضَ بِمَا لَيْسَ بِطَاهِرٍ (قَوْلُهُ: إلَى مَا يَطْهُرُ أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ) أَقُولُ يَعْنِي أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَبْقَى عُمُومُ مَا فَيَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْمُفْتَصِدِ الْآتِيَةَ
1 / 12
أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ يَتَنَاوَلُ خُرُوجَهُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَدُّ الْخُرُوجِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالسَّيَلَانِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَبَّرَ عَنْ الْخُرُوجِ بِالسَّيَلَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى رَأْسِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِأَنَّ رَأْسَ السَّبِيلَيْنِ لَيْسَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانِهَا إلَيْهَا فَعُرِفَ الِانْتِقَالُ بِالظُّهُورِ فَأُقِيمَ الظُّهُورُ مَقَامَ الْخُرُوجِ، وَحَدُّ السَّيَلَانِ أَنْ يَعْلُوَ فَيَنْحَدِرُ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ مَا يُوَازِي الدَّمَ مِنْ أَعَلَا الْجُرْحِ مَكَانُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَيْنُ السَّيَلَانِ وَيَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى مَا يَطْهُرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ لَا بِقَوْلِهِ سَالَ فَإِنَّهُ إذَا فُصِدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ، وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي الِانْتِقَاضِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بَلْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ثُمَّ سَالَ فَإِنَّ السَّيَلَانَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَضَعْفُ مَا قَالَ فَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ أَنْ يَقُولَ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَا يَطْهُرُ إنْ كَانَ نَجَسًا سَالَ لِأَنَّ مَبْنَاهَا كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَايِرًا لِلسَّيَلَانِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَالَ حَشْوًا بَعْدَ قَوْلِهِ خَرَجَ بَلْ الْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا اخْتَرْنَاهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غُرِزَتْ إبْرَةٌ فَارْتَقَى الدَّمُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ لَكِنْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْفُوحٍ وَقَوْلُهُ: إلَى مَا يَظْهَرُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي عَيْنِهِ قُرْحَةٌ وَصَلَ دَمُهَا إلَى جَانِبٍ آخَرَ مِنْ عَيْنِهِ وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقِ مَارِنِ الْأَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَالَ إلَى الْمَارِنِ لِأَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ.
(وَ) خُرُوجُ (رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ أَوْ حَصَاةٍ مِنْ الدُّبُرِ) ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ مَعَ أَنَّهُ نَاقِضٌ لِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَذَكَرَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ (لَا) خُرُوجُ رِيحٍ (مِنْ الْقُبُلِ، وَالذَّكَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ (وَلَا) خُرُوجُ (دُودَةٍ مِنْ الْجُرْحِ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (كَذَا) لَا يَنْقُضُ (لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ الْجُرْحِ (وَمَلْءُ الْفَمِ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجٍ وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِخَرَجَ، وَقِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ (فِي قَيْءِ مِرَّةٍ) أَيْ صَفْرَاءَ (أَوْ عَلَقٍ) وَهُوَ لُغَةً دَمٌ مُنْعَقِدٌ لَكِنَّهُ هَاهُنَا سَوْدَاءُ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ (أَوْ) قَيْءُ (طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ أَيْ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا بِأَنَّ جَعْلَ الظَّاهِرِ الْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ فِيهِ الْأَصْلُ كَالسَّفَرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ أَوْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ كَالْإِيلَاجِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْإِنْزَالِ وَأَمَّا فِي
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقَ مَارِنِ الْأَنْفِ) يَعْنِي أَقْصَاهُ لَا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَرْنَبَةِ فَإِنَّ غَسْلَهُ مَسْنُونٌ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ) أَقُولُ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ) أَقُولُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ إثْبَاتُ أَنَّهُ رِيحٌ فَيَكُونُ تَعْلِيلُ عَدَمِ نَقْضِهِ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ عَدَمَ نَقْضِهِ بِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ) حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الْقَلِيلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْإِسْكَافُ أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ الدَّمِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ نَجِسًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ) أَقُولُ، وَقِيلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْفَمَ وَقِيلَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إمْسَاكِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَيْءُ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ سَاعَةِ تَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ، وَالْمَاءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجِسًا وَكَذَا قَيْءُ الصَّبِيِّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ: فِي شَرْحِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَيْسَ تَصْحِيحًا مَذْهَبِيًّا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الصَّبَّاغِيُّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ فَإِنَّهُ
1 / 13
الْمُنْضَبِطِ الظَّاهِرِ فَلَا كَمَا فِي مَبْحَثِنَا فَإِنَّ خُرُوجَ الْقَيْءِ مِنْ الْفَمِ لَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ أُقِيمَ مِلْءُ الْفَمِ مَقَامَهُ كَيْفَ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ قَوْلٌ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ لِأَنَّهُ رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجَسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ. . . إلَخْ.
دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِلنَّجَسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا يَسْتَصْحِبُهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَحَلُّ فَإِنَّ شُرَّاحَهُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحِلِّهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْحِلِّ (كَذَا) أَيْ كَمَا يَنْقُضُ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا ذَكَرَ يَنْقُضُ (دَمٌ) فِي قَيْئِهِ بِلَا شَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ لِظُهُورِ كَوْنِهِ نَجَسًا لِكَوْنِهِ مَائِعًا (وَقَيْحٌ وَلَوْ) كَانَا مَخْلُوطَيْنِ (بِبُزَاقٍ) لَكِنْ (غَلَبَاهُ أَوْ سَاوَيَاهُ) أَيْ الدَّمُ، وَالْقَيْحُ سَاوَيَا الْبُزَاقَ حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا.
(، وَالْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تُدَاخِلُهُ النَّجَاسَةُ (إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي صَاعِدٍ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمَ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ) الْبَلْغَمُ (بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) فَإِنْ غَلَبَ الطَّعَامُ وَمَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ وَإِنْ غَلَبَ الْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ.
(وَالْمَجْلِسُ يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ) أَيْ الْقَيْءِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالسَّبَبُ) يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: أَقُولُ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ " لِأَنَّهُ " رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجِسِ) أَقُولُ هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى النَّجِسِ فَأُرِيدَ بِهِ نَجَسٌ خَاصٌّ أَوْ مَا يَعُمُّ الْقَيْءَ يُقَالُ إنَّ النَّجَسَ مُنْضَبِطُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ الْغَالِبُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ، وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي يَمْلَأُ الْفَمَ يَخْرُجُ ظَاهِرًا أَيْ إلَى الْفَمِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ إذْ يَلْزَمُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ فَاعْتُبِرَ الْقَيْءُ خَارِجًا أَيْ فَعُدَّ خَارِجًا لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَيْئًا فَقَدْ اعْتَدَّ بِهِ أَيْ فَعُدَّ نَاقِضًا لِكَوْنِهِ نَجَسًا وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَمَ مِمَّا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ بِالْبَاطِنِ مِنْ النَّجَسِ لِتَحَقُّقِهِ بِمِلْءِ الْفَمِ؛ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ أَيْ وَيَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ وَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ لِأَنَّ تَيَقُّنَ خُرُوجِ الْقَلِيلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا إذَا مَلَأَ الْفَمَ فَكَانَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضًا لِلْعِلَّةِ قَوْلًا سَاقِطًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ النَّجَسُ الْمَوْصُوفُ بِالْخُرُوجِ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا مُطْلَقُ الْخَارِجِ فَالْعِلَّةُ ذَاتُ وَصْفَيْنِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا دَمٌ فِي قَيْئِهِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا) قَالُوا عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ فَيَنْظُرُ مَا يَعْلَمُ بِهِ حَالُ الْقَيْحِ.
فَرْعٌ
أَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءً فِي فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا،.
وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَطَ الْبَلْغَمُ بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) قَدْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ إنْ غَلَبَ الطَّعَامُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَسَاوَيَا.
وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ يَبْلُغُ مِلْءَ الْفَمِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ مَلَأَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ سَوَاءً لَا يَنْقُضُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسِنِ قَالَ: الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَالدَّمِ، وَالصَّفْرَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ كُمِّهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: قَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ السَّبَبَ وَهِيَ نَزْعُ خَاتَمٍ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ إعَادَتِهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
1 / 14
بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَثَيَانُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ.
(وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ) مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ (لَيْسَ بِنَجَسٍ) أَمَّا الْقَيْءُ فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ قَلِيلَهُ يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الدَّمُ فَلِأَنَّ قَلِيلَهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا لِلْآيَةِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَأَمَّا حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ فَلَا يُوجِبُ نَجَاسَةً إذْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْكَرَامَةِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ عَلَى طَهَارَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ الْمَاسِكَةَ وَهُوَ النَّوْمُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَقْعَدُهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَيْ وَاضِعًا أَحَدَ جَنْبَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ أَوْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ الْمُسْكَةَ إذَا زَالَتْ لَا يُعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ النَّوْمُ مُسْكَتَهُ بِأَنْ كَانَ حَالَ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ إذَا رَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَأَبْعَدَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ (فَلَا) أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ تَعَمَّدَ) أَيْ نَامَ قَصْدًا (فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَاخْتُلِفَ فِي) نَوْمِ (مُسْتَنِدٍ إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ النَّوَاقِضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ، وَقَالَ شُرَّاحُهُ هَذَا مِمَّا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْأَرْضِ كَانَ حَدَثًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَسَقَطَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ السُّقُوطِ أَوْ حَالَةَ السُّقُوطِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا فَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ اسْتَقَرَّ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ انْتَقَضَ، وَلَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ هِيَ عُرْيَانَةٌ إنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَفِي حَالِ الْهُبُوطِ حَدَثٌ.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْإِغْمَاءُ، وَالسُّكْرُ) الَّذِي حَصَلَ بِهِ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ (وَالْجُنُونُ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِزَوَالِ الْمُسْكَةِ بِهِمَا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ عَنْ غَيْرِهِ. .
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (قَهْقَهَةُ بَالِغٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ وَأَمَّا الضَّحِكُ الْمَسْمُوعُ لَهُ فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بَلْ الصَّلَاةَ، وَالتَّبَسُّمُ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهُمَا (يَقْظَانَ) فِي صَلَاتِهِ (يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ وُضُوءٍ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ (صَلَاةً كَامِلَةً) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «إلَّا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ الْقَهْقَهَةِ وَلَا قَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْتَسِلِ، وَالْقَهْقَهَةُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ أَفْسَدَتْهُمَا (وَلَوْ) كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ (عِنْدَ السَّلَامِ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ)
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَبْرَأُ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي آخَرَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ، وَالسَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّحْوِيلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ لَيْسَ بِنَجَسٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْكَمَالُ: قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ نَجَسٌ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوانِيُّ يُفْتِيَانِ بِقَوْلِهِ وَجَمَاعَةٌ اعْتَبَرُوا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَمْتَنِعُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِإِنْسَانٍ طَهَارَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجَسًا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ الدَّمِ الْبَادِي فِي مَحَلِّهِ بِقُطْنَةٍ وَأَلْقَى فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا أَيْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا) أَقُولُ يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ
(تَنْبِيهَانِ) أَحَدُهُمَا لَيْسَ النَّاقِضُ النَّوْمَ بَلْ الْحَدَثَ وَلَكِنْ أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النَّوْمُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ يُخْرِجُ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِهِ لِأَحَدٍ فَاقْتَضَى كَوْنَهُ الْمَذْهَبَ، فَقَالَ: وَالنُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ وَيَجْرِي عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ أَيْ بِمُبَاشَرَةِ. . . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) أَقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَتْنًا أَوْ شَرْحًا فَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَاقِضُهُ قَهْقَهَةُ بَالِغٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ وُضُوئِهِ كَصَلَاتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إلَّا زُفَرُ ﵀ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ﵀ فِي بَابِ
1 / 15
الْمُصَلِّي فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ خُرُوجًا بِصُنْعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ (فَإِذَا) (خَرَجَ الْإِمَامُ) عَنْ الصَّلَاةِ (بِهِ) أَيْ بِتَعَمُّدِ الْقَهْقَهَةِ (فَقَهْقَهَ الْمَأْمُومُ) (لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا (لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ (لَا مَسُّ الذَّكَرِ، وَالْمَرْأَةِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مَاءٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَالصَّدِيدِ، وَالدَّمِ (نَقَضَ، وَإِنْ عَلَا) عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ (فَأُزِيلَ) لَوْ كَانَ (بِحَيْثُ إذَا تُرِكَ سَالَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا) يَنْقُضُ (خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ لَوْ) خَرَجَ (بِوَجَعٍ نَقَضَ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَةِ (وَإِلَّا فَلَا) يَنْقُضُ (فِي عَيْنِهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ضَعْفُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ صَاحِبَ عُذْرٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (كَمَا إذَا كَانَ بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ (غَرْبٌ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عِرْقٌ فِي الْعَيْنِ يَسْقِي وَلَا يَنْقَطِعُ.
(الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَلَوْ بَيَاضَهُ) الْخَالِي عَنْ الْخَطِّ (إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا) وَهُوَ الْمُشَرَّزُ (وَقِيلَ مُنْفَصِلًا) كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَصْرِيحٌ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِقَهْقَهَةٍ عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ فَقَالَ: وَنَقَضْنَا بِهَا أَيْ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وُضُوءَهُ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَنَفَاهُ زُفَرُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّلَاةِ اهـ.
وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَإِنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقَهْقَهَةَ عِنْدَ السَّلَامِ لَا تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَدْ عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَقَوْلُهُ: كَيْفَ كَانَ يَعْنِي مِنْ حَدَثٍ عَمْدًا وَكَلَامٍ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ مَعًا وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِفَسَادِ وُضُوئِهِمَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) أَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الِاسْتِقَامَةِ وَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا كَمَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ بِقَهْقَهَةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَبْقَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَهْقَهَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ اهـ.
وَلَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يُعَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتْنٌ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا) أَقُولُ كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَزَادَ الْكَمَالُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ: فَقَالَ وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقُضُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْغُلَامِ وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا مَسُّ الذَّكَرِ) أَقُولُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ مِنْهُ،.
وَفِي الْبَدَائِعِ: مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: قُشِرَتْ نَفْطَةٌ إلَخْ) .
أَقُولُ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ إلَى مَا يَطْهُرُ لَكِنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدَأً انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ اهـ.
قُلْت وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الْكَمَالِ ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ، وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ إلَخْ) أَقُولُ فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا اهـ.
وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ، وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.
(قُلْت) لَكِنْ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: قَالُوا مَنْ رَمِدَتْ عَيْنَاهُ، وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ اهـ.
وَصِيغَةُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ الْخِلَافُ فَيُفْهَمُ عَدَمُ الْوُجُوبِ مِنْ مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ بِهِمَا غَرْبٌ) أَقُولُ: وَالنَّقْضُ بِمَا سَالَ مِنْهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ.
وَفِي التَّجْنِيسِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ إذَا سَالَ مِنْهُ مَاءٌ نَقَضَ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَيْسَ بِدَمْعٍ، وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ وَرَمٌ فِي الْمَآقِي.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا وَهُوَ الْمُشَرَّزُ) أَقُولُ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ صُحِّحَ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ
1 / 16
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَلَمْ يُكْرَهْ) مَسُّهُ (بِالْكُمِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضٍ وَالْجُنُبِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي) الْكُتُبِ (الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ) ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ (وَلَا) يَمَسُّ (دِرْهَمًا فِيهِ سُورَةٌ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْآيَةُ (إلَّا بِصُرَّةٍ وَإِنْ جَازَ قِرَاءَتُهُ) فَرَّقَ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَسِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْفَمِ، وَاسْتَوَيَا فِي الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ حَلَّا بِالْفَمِ وَالْيَدِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِيهِمَا وَلَا تَرِدُ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْجُنُبَ حَلَّ نَظَرُهُ إلَى الْمُصْحَفِ بِلَا قِرَاءَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَكُرِهَ دُخُولُهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ (مَسْجِدًا) مِنْ الْمَسَاجِدِ (وَطَوَافُهُ) بِالْكَعْبَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَالْحَيْضِ، وَالْجَنَابَةِ.
[أَحْكَام الْغُسْل]
[فَرَائِضُ الْغُسْلِ]
(فَرْضُ الْغُسْلِ) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ الِاعْتِقَادِيَّ وَالْعَمَلِيَّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ (غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَ) سَائِرِ (الْبَدَنِ حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَ) غَسْلُ (السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ وَجَمِيعِ اللِّحْيَةِ) أَيْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كَمَا يَجِبُ إلَى أُصُولِهَا إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) غَسْلُ (مَا فِيهِ حَرَجٌ كَالْعَيْنِ وَثَقْبِ الْفَمِ) لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] فِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ثَقْبِ الْقُرْطِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ وَكَذَا إنْ انْضَمَّ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ فِيهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ أَيْضًا (كَذَا) أَيْ كَالْعَيْنِ فِي الْحَرَجِ (نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ غَسْلُهَا (وَكَفَى بَلُّ أَصْلِهَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (لَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهِ) حَيْثُ يَجِبُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (الْبَدْءُ بِمَا ذَكَرَ فِي
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ اهـ.
وَلِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَجَافِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْكُمُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجِلْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ: هُوَ الْجِلْدُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) قَدْ عَلِمْت تَعَيُّنَ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا) أَقُولُ عِبَارَةُ الْكَافِي: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: فَرْضُ الْغُسْلِ) الْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَالْغُسْلُ يَعْنِي بِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً: بِضَمِّ الْغَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لَا اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَيُدْخِلُهُ أَيْ الْمَاءَ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا.
وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً اهـ.
(قُلْت) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّاخِلِ قَالَ الْكَمَالُ: وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
(قَوْلُهُ: كَذَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: أَنَّهَا تَبُلُّ ذُؤَابَتَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ،.
وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ.
، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ.
1 / 17
الْوُضُوءِ) مِنْ النِّيَّةِ، وَالتَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ (وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ) إنْ كَانَ فِيهِ خَبَثٌ (وَالتَّوَضُّؤُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (إلَّا رِجْلَيْهِ) وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَّا رِجْلَيْهِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ لَيْسَتْ بِمَغْسُولَةٍ بَلْ بَعْضُهَا مَمْسُوحَةٌ وَفِي لَفْظِ التَّوَضُّؤِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي وُضُوءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (لَوْ) كَانَ رِجْلَاهُ (بِمُسْتَنْقَعٍ) أَيْ بِمُسْتَجْمَعِ مَاءٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ يَغْسِلُهُمَا (ثُمَّ تَثْلِيثُ صَبٍّ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ (مُسْتَوْعِبٍ) جَمِيعَ الْبَدَنِ حَالَةَ كَوْنِهِ (بَادِئًا) فِي الْغُسْلِ (بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ (ثُمَّ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الصَّبِّ الْمُسْتَوْعِبِ (يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ تَكْمِيلًا) لِلْوُضُوءِ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ غَسْلِ رِجْلَيْهِ بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ بَادِئًا وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (الدَّلْكُ) لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةِ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فِيهِ) أَيْ الْغُسْلِ (إذَا تَقَاطَرَتْ) الْبَلَّةُ (دُونَ الْوُضُوءِ) لِمَا بَيَّنَّا سَابِقًا.
(وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ) وَلَوْ فِي نَوْمٍ (مُنْفَصِلٍ) عَنْ مَوْضِعِهِ (بِشَهْوَةٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِحَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُفْرَضْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِهَا أَيْ بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
(وَ) فُرِضَ (عِنْدَ إيلَاجِ) أَيْ إدْخَالِ (آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[سُنَن الْغُسْل]
قَوْلُهُ: وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ) أَقُولُ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْخَبَثِ عَنْ الْفَرْجِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ كَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَكَانَ يُغْنِيهِ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٍ لَوْ كَانَتْ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجِهِ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يُصَبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَصُبَّ ثَلَاثًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يُثَلِّثْ، وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ: وَيُقَاسُ مَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ: بَادِئًا فِي الْغُسْلِ بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ كَيْفِيَّةَ الصَّبِّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ ﷺ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى اهـ.
(تَنْبِيهٌ): آدَابُ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
[مُوجِبَات الْغُسْل]
(قَوْلُهُ: وَفُرِضَ أَيْ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ. . . إلَخْ) أَقُولُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ لِلْوُجُوبِ لَا أَسْبَابٌ فَإِضَافَةُ الْوُجُوبِ إلَيْهَا مَجَازٌ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ سَبَبُ وُجُوبِهِ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقِيلَ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَالْإِنْزَالُ وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَقُولُ يَعْنِي لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الدَّفْقَ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا اهـ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ مَثَلًا فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَنَزَلَ الْمَنِيُّ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ عِنْدَ خَوْفِ الرِّيبَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فَشَمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ، وَالْيَقَظَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: امْرَأَةٌ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ اهـ.
قُلْت وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِتْيَانِهِ يَقَظَةً وَرَأَتْ الْمَاءَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ
1 / 18
(حَشَفَةً أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِهَا (فِي أَحَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِيلَاجِ (سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ إدْخَالَهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ الْبَهَائِمِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ (حَيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ إدْخَالِهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ (عَلَى مُكَلَّفِهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ الْمُقَدَّرِ فِي إيلَاجٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) مَنِيًّا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهِ الْإِنْزَالُ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا (وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حُلُمًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِهَوَاءٍ أَصَابَهُ (لَا) يُفْرَضُ (إنْ تَذَكَّرَهُ) أَيْ الْحُلْمَ.
(وَ) تَذَكَّرَ (اللَّذَّةَ، وَالْإِنْزَالَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا) لِأَنَّهُ تَفَكُّرٌ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي الْيَقِظَةِ بِلَا إنْزَالٍ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْغُسْلُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا (كَذَا الْمَرْأَةُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْلَجَهَا) أَيْ الْحَشَفَةَ مَلْفُوفَةً (بِخِرْقَةٍ وَجَبَ) الْغُسْلُ (إنْ وَجَدَ لَذَّةَ) الْجِمَاعِ (وَ) فُرِضَ عِنْدَ (انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا) عِنْدَ (خُرُوجِ مَذْيٍ وَوَدْيٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَاءٌ غَلِيظٌ يَعْقُبُ الْبَوْلَ (وَحُقْنَةٍ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ مَذْيٍ (وَلَا) عِنْدَ (إدْخَالِ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ وَوَطْءِ بَهِيمَةٍ بِلَا إنْزَالٍ) لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ كَمَا مَرَّ.
(أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ عَذْرَاءُ فَأَتَاهَا وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا (لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُنْزِلْ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَمْنَعُ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.
(وَوَجَبَ) الْغُسْلُ (لِلْمَيِّتِ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْحَيِّ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وُجُوبًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ (وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) وَقِيلَ هُمَا مَنْدُوبَانِ (أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ) بَلْ بِالْإِنْزَالِ (فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بَعْدَ الْإِنْزَالِ فَلَوْ وَجَبَ بِهِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ قُلْنَا الْإِنْزَالُ دَلِيلُ تَكَامُلِ الْقُوَى فَيَكُونُ مُظْهِرًا لِلْوُجُوبِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ حَكَى فِي السِّرَاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجِبُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الْغُسْلُ لِلْمَيِّتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْ الْغُسْلُ فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي فِي الْجَنَائِزِ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يَتَيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ إذَا حَاضَتْ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اهـ.
لَكِنْ رَدَّ مَا ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا ابْنُ كَمَال بَاشَا وَمُحَصَّلُهُ لُزُومُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا فِيمَا انْقَطَعَ دَمُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ وَفُرِضَ أَيْضًا يَعْنِي الْغُسْلَ بِبُلُوغِ صَبِيٍّ بِاحْتِلَامٍ وَإِسْلَامِ كَافِرٍ مِنْ بَعْدِ جَنَابَةٍ وَانْقِطَاعِ حَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشُّرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ فَيُفْتَرَضُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُجُوبِ السَّبَبِ بَعْدَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ بَلْ بِالْإِنْزَالِ) أَقُولُ لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ بَلْ بِالْإِنْزَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ وَغَيْرِهِ كَالْحَيْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ نِفَاسٌ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ، قَالَ فِي الْمُفِيدِ: هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ آخِرًا أَيْ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلرُّطُوبَةِ الْمَوْجُودَةِ
1 / 19
لَا مُثْبِتًا لِيَلْزَمَ ذَلِكَ (أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا) فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(وَسُنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قِيلَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ (وَلِعِيدٍ وَإِحْرَامٍ وَعَرَفَةَ) إعَادَةُ اللَّامِ لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ (وَنُدِبَ لِمَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِسِنٍّ) سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ سِنَّ الْبُلُوغِ فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ أَفَاقَ عَنْ جِنَّةٍ وَلِمَكَّةَ وَلِمُزْدَلِفَةَ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا عَلَى زَوْجِهَا) غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً.
(وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ ﵇ «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ.
(وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى كَذَا فِي الْكَافِي وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَمْرٌ عَارِضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ ﵇ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ السُّرُوجِيِّ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَقِيلَ الْآيَةُ، وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا (بِقَصْدِهِ) وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ نَحْوُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَمَسُّ مَا هُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (فِيهِ) كَاللَّوْحِ، وَالْأَوْرَاقِ (وَحَمْلُهُ) أَيْ حَمْلُ مَا هُوَ فِيهِ (وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْأَدْعِيَةِ) وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّسْبِيحِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ يَدَيْهِ، وَلَا فِي النَّوْمِ وَمُعَاوَدَةِ أَهْلِهِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.
(وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (كِتَابَتُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ فِي الْإِيضَاحِ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ أَوْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ، وَالْكِتَابَةُ وُجِدَتْ حَرْفًا حَرْفًا وَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ أَنْ لَا يَكْتُبَ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى الْقِرَاءَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ لَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِالْوِلَادَةِ اهـ.
وَسَنَذْكُرُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا) أَقُولُ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْوَاجِبُ الِاصْطِلَاحِيُّ لَا الْفَرْضُ وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرِينَ وَنَظَرَ فِيهَا وَصَرَّحَ بِالْفَرْضِ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَعَرَفَةَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ فِي لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ لِعَرَفَةَ اهـ.
قُلْتُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَبِهِ يَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ عَرَفَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَعَادَ اللَّامَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِيَوْمِ الْعِيدِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ وَقَالُوا الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الْمَشْيُ عَلَى الصَّحِيحِ بِجَعْلِ الْغُسْلِ فِي الْعِيدِ لِصَلَاتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِجَعْلِهِ لِصَلَاتِهَا لِيَكُونَ مَشْيُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِمَكَّةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلِدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَغَسْلِ الْمَيِّتِ، وَالْحِجَامَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ
(تَنْبِيهٌ): يَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا إلَخْ) .
أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَاءَ الْوُضُوءِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَيْهِ الطَّوَافُ يَعْنِي الْجُنُبَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ بِرُمَّتِهَا (قَوْلُهُ: فَقِيلَ الْآيَةَ) أَقُولُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ يُبَاحُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا) أَقُولُ يَعْنِي فَهُوَ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ الْآيَةِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ الْآيَةُ وَمَا دُونَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا) يَنْظُرُ مَا الْمُرَادُ بِهِ الْهِجَائِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَأَيْت مَا نَصُّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيمِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ الْقُرْآنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً مَا دُونَ الْآيَةِ لَا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
(قَوْلُهُ: وَمَسُّ مَا هُوَ فِيهِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (قَوْلُهُ: كِتَابَتُهُ أَيْ الْقُرْآنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِيضَاحِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا لِلصَّحِيفَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ فَهُوَ حَامِلٌ قُرْآنًا وَتَقَدَّمَ حُرْمَةُ مَسِّ مَا هُوَ فِيهِ وَحَمْلِهِ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ: أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ
1 / 20
(قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ، وَالزَّبُورِ، وَالْإِنْجِيلِ لَا) قِرَاءَةُ (الْقُنُوتِ) لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ (وَلَا يُكْرَهُ لَهُ مَسُّ الْقُرْآنِ بِالْكُمِّ) عَلَى مَا سَبَقَ (وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلَ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلَانِ بِهِ فَقَالَ (وَيَجُوزَانِ) أَيْ الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ (بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْعَيْنِ، وَالْبِئْرِ، وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) أَيْ تَسْخِينَهُ بِالشَّمْسِ (وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَائِلُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَفِي قَوْلِهِ " قَصَدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَجُوزَانِ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْمِلْحُ) كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ (لَا بِمَاءِ الْمِلْحِ) أَيْ الْحَاصِلِ بِذَوَبَانِ الْمِلْحِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَ انْقَلَبَ إلَى طَبِيعَةٍ أُخْرَى (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ يَجُوزَانِ بِالْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ (فِيهِ) أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ (غَيْرُ دَمَوِيٍّ) أَيْ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلًا (كَالزُّنْبُورِ)، وَالْعَقْرَبِ، وَالْبَقِّ، وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهَا (أَوْ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَالسَّمَكِ)، وَالسَّرَطَانِ، وَالضُّفْدَعِ وَنَحْوِهَا، وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ (أَوْ خَارِجَهُ) عَطْفٌ عَلَى فِيهِ أَيْ وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ (فَأُلْقِيَ فِيهِ) يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ فَأُلْقِيَ فِيهِ (لَا مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَبَرِّيُّ الْمَوْلِدِ) عَطْفٌ عَلَى مَائِيِّ الْمَوْلِدِ (كَالْبَطِّ)، وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ مَوْتَهُ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ (كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ (سَائِرُ الْمَائِعَاتِ) فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ غَيَّرَ) عَطْفٌ عَلَى مَاتَ (أَوْصَافَهُ) أَيْ أَوْصَافَ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ وَهِيَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ (مُكْثٌ أَوْ طَاهِرٌ جَامِدٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ هَكَذَا أَوْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ احْتِرَازٌ عَمَّا فَوْقَهُ حَتَّى قَالَ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ أَوْ الْبَاقِلَاءَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ جَوَازُهُ حَتَّى أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَتُغَيِّرُ مَاءَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى رِقَّتِهِ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَارَ بِهِ ثَخِينًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقٍ فِي الْأَصَحِّ) إشَارَةٌ إلَى مَا نَقَلَ مِنْ الْيَنَابِيعِ، وَالنِّهَايَةِ (إنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ) قَيْدٌ لِلْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيَّرَ أَوْصَافَهُ (مَا غَيَّرَ أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ (نَجَسٌ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ ﵊ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» هُوَ النَّجَسُ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا (وَبِجَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ يَنْعَقِدُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَاءِ الْجَارِي فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي وَهُوَ مَا (يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) وَقَعَ (فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يُرَ) أَيْ لَمْ يُدْرَكْ.
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشُبْهَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أُبَيًّا ﵁ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْمُطَابَقَةِ.
(فَرْعٌ مُهِمٌّ): لَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا أَفْضَلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
[أَحْكَام الْمِيَاه]
[الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ]
(قَوْلُهُ: وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) يَعْنِي بِلَا كَرَاهَةٍ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
، وَالْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ بَرِّيُّ الْمَوْلِدِ وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ نَجَّسَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَجَسٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ عَطْفَهُ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ ﵇. . . إلَخْ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ﵀ لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْصَافَ مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . . . إلَخْ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى جُزْءِ الدَّعْوَى.
(قَوْلُهُ: فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي) أَقُولُ لَمْ يَقَعْ مُخْتَارًا فِي الْهِدَايَةِ بَلْ نُقِلَ فِيهَا عَلَى صِيغَةِ الضَّعْفِ وَعِبَارَتُهَا
1 / 21